الحوش التالت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مشروع الجزيرة - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار

اذهب الى الأسفل

مشروع الجزيرة  - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار Empty مشروع الجزيرة - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار

مُساهمة  راشد فضل بابكر السبت 15 أغسطس 2015 - 17:31

بقلم: المزارع / إبراهيم إسحق عمرالأنصاري
نشر بتاريخ: 04 آب/أغسطس 2015

بسم الله الرحمن الرحيم
أن الحديث عن مشروع الجزيرة منذ بدايته كمزرعة تجريبية عام (1911م ) حتى إستكمال إنشاءه وإعلانه كمشروع متكامل بإدراته وأقسامه وبنياته الأساسية في الربع الأول من القرن الماضي(1925م) ومروراً بكل مراحل التوسع الرأسي والأفقي التي مر بها المشروع وحتى لحظة كتابة سطورهذا المقال قد يتطلب سلسلة مقالات ، بل وعدد من الكتب والمجلدات إنطلاقاً من دوافع وأهداف إنشاء المشروع زماناً و مكاناً ، حيث تاريخ وجغرافية المشروع وعقود وسنوات نجاحاته وإزدهاره وأسباب تراجعه و تدهوره وصولاً الى منحنى الانهيار الكامل الذي وصل عند نقطة يصعب إن لم يكن من المستحيل إستعادته في أسوأ الأحوال الى نقطة ما قبل إصدار قانون مشروع الجزيرة لعام (2005م) ما لم تتسارع خطى دفاع ونضال الحادبين على إنقاذ المشروع ومصلحة السودان للضغط على من يسيطرون على غرف ومراكز صناعة وإتخاذ القرارعلى المستوى المركزي ، والعمل على إجبارالممسكين على مفاصل السلطة ورسم السياسات الاقتصادية لإنتزاع قرارات رئاسية حاسمة لإيقاف سياسات التدمير ومؤامرات التخريب التي تحاك ضد المشروع وإنسانه ، وحملهم على إنشاء لجنة او مفوضية تقوم بوضع خطط وإستراتجيات الإصلاح والنهوض الشامل بهذا المشروع الضخم العملاق والذي كان صمام أمان ومفخرة للسودانيين قاطبة وللدول العربية والأفريقية قبل مجىء حكومة الانقاذ الفاسدة. وحقيقة ان مشروع الجزيرة في غنى عن التعريف بالنسبة للشعب السوداني عامة و حتى لكثير من شعوب دول العالم المختلفة ، كثير من أبناء الشعب السوداني خصوصاً العوام منهم الذين يقيمون في أقاليم وولايات السودان الأخرى قد تكون معرفتهم معرفة متواضعة بمشروع الجزيرة وعن نجاحاته وإشكالاته طوال مسيرته التي بدأت قبل أكثر من (90) عاماً ، وقد تكون غائبه عنهم كثير من المعلومات والحقائق عن المشروع وإنسانه وما آلت اليه أحوال الزراعة بالمشروع والأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي يعيشها اليوم سكان مشروع الجزيرة ، وفي هذا المقال سأحاول جاهداً أن أضع أمام القاري الكريم بعض الحقائق عن ماضي المشروع وأوضاعه الراهنة والعوامل والمهددات والمخاطر التي قد تقود الى إنهياره وزواله من الوجود إذا ما إستمر الحال على هذا المنوال المتسارع نحو الهاوية ، ونُملك هذه الحقائق المجردة عن ماضي وحاضر المشروع للشعب السوداني بكافة أقاليمه وجهاته وفئاته ليشاركوا أهل الجزيرة حدة أزمة مشروعهم وقساوة محنتهم وهمومهم ومشاكلهم وتطلعاتهم وأمالهم العراض لإستعادة المشروع لسيرته الأولى ودوره الحيوي المتعاظم ، والعمل على مساندتهم ومناصرتهم في قضاياهم العادلة لإنتزاع حقوقهم المهضومة وتلبية مطالبهم المشروعة ودعم ودفع مساعيهم الجادة لإنقاذ وإصلاح حال المشروع إنطلاقاً من قومية مشروع الجزيرة الذي ظل يشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني منذ إنشاءه وحتى سنوات قريبة من خلال دوره الحيوي في توفيرالأمن الغذائي والاسهام في البناء الاقتصادي والتنمية بكافة ضروبها ومجالاتها وتمويل الخزانة العامة بالعملات الصعبة من العمليات التصديرية للمنتجات الزراعية، إذ ظل يساهم بنحو65% من إنتاج البلاد وحقق توازن إقتصادي بتحسين ميزان المدفوعات من خلال زيادة الصادرات وإحلال الواردات وإنعاش الاقتصاد السوداني بتحريك مواعينه الإيرادية بشقيها الإنتاجية والتجارية والإستثمارية. فبحكم إنني مزارع و أبن مزارع وصاحب أرض و مالك حواشتين ( جمع حواشة \حقل \ غيط ) رقم ( 511 ) خامس بيت\حواشة ، بترعة قاسية ، مكتب الجديد ، قسم المنسي أمتداد المناقل\مشروع الجزيرة الزراعي ، وأمتلك عدد (120) فدان من أجمالي ملكية مساحة العائلة (1200) فدان بمشروع هضبة المناقل الزراعي المطري (مربع الصنقور/اللخيخة) والذي نأمل أن يتم إستكمال حفر قناة كنانة الكبرى التي يجري شقها من خزان سنار لربطه بنظام الري الانسيابي لمشروع الجزيرة والمناقل ،وبحكم عضويتي في رابطة مستخدمي المياه بترعة قاسية بمشروع الجزيرة\إمتداد المناقل المنشأ بموجب قانون مشروع الجزيرة(2005م - 2006م) ، لقد عشنا وتعايشنا سنوات نجاحات وإزدهارالمشروع وسنوات تراجعه وإنتكاسته وتدهوره وإنهياره التدريجي ، وتابعنا عن كثب وببالغ القلق والأسف والغبن الشديد مجريات المخطط التخريبي وسياسات التدمير التي طالت المشروع وإنسانه ، ولدينا الادلة الدامغة التي تؤكد بجلاء شديد مؤامرات التصفية والسرقة والنهب المنظم لإصول وممتلكات المشروع ، وتكشف حقيقة وابعاد النية المبيتة للمخطط الأجرامي لتدمير المشروع وإفقاروإذلال وتشريد وتهجير إنسانه لجعل المشروع وانسانه لقمة طرية سهلة المضغ والأكل بين فكي الخصخصة والرأسمالية الطفيلية التي بدأت تحصد ثمار سياساتها الإحتكارية يوماً بعد يوم مخلفاً وراءها الملايين من الجوعي والفقراء من المزراعين والعمال الزراعين وتسليم مشروعهم الذي أسسوه بحُرِأموالهم وعرق جباههم للشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات التي سوف تجعلهم وتستخدمهم خدماً وماكينات إنتاج بعد أن كانوا ملاكاً وعمالاً وشراكاً ، فاليوم نشاهد بأم أعيننا حلقات المسلسل التراجيدي للإنهيار التدريجي لمشروع الجزيرة العملاق الكبير الذي بدأ يتهاوى شيئاً فشيئاً ، والكل صار متفرجاً و قلوبنا تنبض ألماً ومرارةً ، ودموعنا تتدفق حزناً وحسرةً على حال ومآل المشروع ، فلا أحد قادرعلى أن يسكن متحركاً او يحرك ساكناً تجاه العبث الحكومي بالمشروع وبمقدرت وثروات مواطني الجزيرة ، حيث أن نظام الانقاذ وحكومة حزب المؤتمر الوطني الفاسدة المفسدة تخطط ما تراه وتنفذ ما تريده متى شاءت وكيفما تشاء ، فنحن أهل الجزيرة وملاك الأراضي وأصحاب الحواشات أدرى وأعلم بمشاكل المشروع ، و نحن أهل الوجعة و واطين على الجمرة ، ونحن ضحايا سياسات الخصخصة العوجاء العرجاء الشتراء التي إنتهجها نظام الانقاذ دون مراعاة لخصوصية المشروعاتالحيوية الاستراتيجية في بنية الإقتصاد السوداني الهشة ، والمثل يقول ( ليس من رأى كمن سمع) ،فمن خلال مقالي هذا أود أن أملك الشعب السوداني عامة بعض الحقائق عن مشروعهم القومي هذا وسندهم الحقيقي في أوقات الشدة والضيق ، والذي إستفاد و يستفيد منه كل الشعب السوداني بمختلف أقاليمه و جهاته وفئاته ، حيث وقف الكل شاهداً ومؤكداً على أن مشروع الجزيرة ساهم على المدى الطويل بأكثر من 45% من جملة الصادرات قبل دخول البترول و قامت على أكتافه مؤسسات القطاعات الحيوية للدولة السودانية ، ولا يزال المشروع يمتلك المقومات والفرص والأمكانات التي تؤهله لإعادته لسيرته الأولى وتحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء لأهل السودان كافة ،وتصدير الفائض من الإنتاج الزراعي والحيواني لجلب عملات صعبة لسد العجز الذي تعانيه خزينة الدولة ، هذا إذا وضعت الحكومة الحالية سياسات زراعية قائمة على أسس علمية راسخة وعلى أخر وأحدث ما توصلت اليه التكنولوجيا في مجال الزراعة بعيداً عن ألاعيب السياسة الخبيثة والممارسات القذرة التي تحركها المصالح الحزبية والفئوية الضيقة والمطامع الشخصية المفرطة التي تسيطر على عقلية وسياسات وتوجهات رموز وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم في تعاطيهم مع إشكالات وأزمات مشروع الجزيرة ومع قضايا وحقوق ومطالب وتطلعات مواطني الجزيرة . مشروع الجزيرة ( الأرض / المكان) إذا أردنا أن نتحدث عن جغرافية وتاريخ مشروع الجزيرة بالضرورة نتحدث عن جغرافية وتاريخ ولايةالجزيرة وعن منطقة الجزيرة أولاً ، بحيث أن مشروع الجزيرة جزء من ولاية الجزيرة ، وولاية الجزيرة جزء من منطقة الجزيرة ( منطقة الجزيرة ، ولاية الجزيرة ، مشروع الجزيرة) ، فمنطقة الجزيرة تاريخياً يقصد بها الأرض المنبسطة الواقعة بين النيلين ( الأزرق و الأبيض) في السهل الطيني الممتد بشكل مثلث و سهم من أواسط جنوب النيلين إلى ملتقى النيلين (المقرن) عند عاصمة السودان الخرطوم ، وسابقاً كانت تعرف بجزيرة سنار وكذلك بجزيرة الخرطوم بما في ذلك جزيرة توتي عند ملتقى النيلين وبداية مجرى نهر النيل المتجه شمالاً و ماراً بمصر ليصب في البحر الابيض المتوسط ، بينما ولاية الجزيرة الحالية تمتد من منطقة سنارعلى النيل الأزرق إلى جنوب الخرطوم أي هي المساحة المعروفة بحدودها الجغرافية الإدارية/ السياسية المرسومة بقرار التقسيم الولائي لأقاليم السودان في عهد نظام وحكومة الأنقاذ التي أصدرت المرسوم الدستورى الرابع لسنة 1991م بتأسيس الحكم الإتحادي،والذى تم بموجبه إلغاء قوانين الحكم الإقليمى ، إذ تتكون ولاية الجزيرة من (7) محليات و(40)وحدةإدارية وفقاً لأخر تقسيم إدراي وعاصمتها مدينة ود مدني التي توجد بها مقر رئاسة إدارة مشروع الجزيرة / بركات ، وعدد من المصانع والشركات والمؤسسات الخدمية ذات الصلة بالمشروع ، ومدينة ود مدني هي ثاني أكبر مدينة في السودان بعد العاصمة الخرطوم ، وتقع في قلب مشروع الجزيرة ،وإكتسبت بريقها الاجتماعي والسياسي والثقافي والفني بتركيبتها الاجتماعية المتفردة والدور المتميز لأبناءها في العمل السياسي وفي عالم الفن والأبداع الثقافي ، فإذا كانت مدينة ود مدني حاضرة ومنارة ولاية الجزيرة ، فان مشروع الجزيرة هو روح ولاية الجزيرة ، وإكتسبت ولاية الجزيرة أهميتهاوقيمتها الإقتصادية بتميز موقعها الإستراتيجي الحيوي في خارطة جغرافية السودان و وقوعها وسطا لعديد من الولايات والمدن الكبرى وقربها من العاصمة القومية الخرطوم ، وتذخر ولاية الجزيرة بمواردها البشرية والطبيعية الهائلة وبنياتها التحتية ، هذا وبالاضافة الى تميزها بوجود أكبر مشروعيين زراعيين قوميين في السودان ضمن مساحتها هما ( مشروع الجزيرة ، مشروع الرهد الزراعي الذي تقع أكثر من 62% من مساحته ضمن ولاية الجزيرة ) و بالاضافة الى مشروع سكر الجنيد ومشاريع المترات والمشاريع النيلية والجروف ومشروع سندس الزراعي ومشروع هضبة المناقل الزراعي المطريالذي سيتم ريه إنسيابياً عبر ترعة و قناة كنانة الكبرى التي يجري حفرها وشقها من خزان سنارليكون ضمن مشاريع الري الانسيابي ويصبح إضافة حقيقية لمشروع الجزيرة الذي يعد أكبر مشروع زراعي مروي في العالم يروى بنظام الري الانسيابي من خزان سنار على النيل الازرق حيث يروى بترعة يصل طولها 323 كم من سنار وحتى مشارف الخرطوم ، وتعرف بترعة الجزيرة وترعة المناقل وهما ترعتان رئيسيتان و(11) ميجر/كنار ومئات الترع الفرعية التي توصل وتوفر المياه عبر أبوعشرينات وجداول لتروي حقول وحواشات (مزراع) أكبر مشروع زراعي في السودان و في أفريقيا والعالم ، ذات إدارة واحدة وبنظام ري إنسيابي واحد ، مساحته 2 مليون و200 الف فدان قسمت لـ (18) قسماً و(114) تفتيشاً ( تفاتيش/ مكاتب) مربوط بشبكة وخطوط سكة حديد بطول (1300) كم ، إذ تعد شبكة سكة حديد مشروع الجزيرة أكبر وأطول شبكة نقل في أفريقيا ، فمنطقة الجزيرة تتميز بأرضها المنبسطة الخالية من الموانع الطبيعية كالجبال والهضاب والتلال والغابات ، ومن العوائق والتضاريس الوعرة كالوديان والخيران والجروف والصخور والكثبان الرملية ، كل هذه العوامل وغيرها ساعدت على إمكانية إقامت هذا العدد الكبير من المشاريع الزراعية وإنشاء السد والخزان وقنوات المياه للري الانسيابي ، وإقامة شبكة السكة حديد والطرق والكباري والجسور وغيرها ، وكما أن توفر المياه وخصوبة تربتها ومناخها المعتدل وهطول الأمطار بكميات مناسبة خلال فصل الخريف ، وتوفر الأيدي العاملة كل هذه العوامل والعناصر وغيرها ساعدت وهيئت و مكنت من زراعة عدد من المحاصيل الزراعية المهمة على رأسها القطن والقمح والفوال السوداني والذرة وزهرة الشمس والأعلاف والخضروات وبعض الفواكه والمحاصيل النقدية والغذائية الأخرى ، وأيضاً كان المشروع ينتج الأرز قبل أن يتوقف بسبب الظروف المناخية ، وكذلك ساعدت على تربية الحيوانات (الضان ، الماعز ، الأبقار ، الأبل ) للاستهلاك المحلي والتصدير ، حيث ظل مشروع الجزيرة ينتج 70% من جملة الاقطان و65% من جملة انتاج القمح و32% من جملة انتاج الفول السوداني و12% من إنتاج الذرة ، حسب التقارير الرسمية للسنوات السابقة ، ووفقاً لما ورد في بيانات تحالف مزراعي الجزيرة والمناقل أنه قبل سياسة التحرير الاقتصادي والخصخصة وإصدار قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م ، كان مشروع الجزيرة والمناقل يتكون من سكك حديد الجزيرة بطول 1300 كيلومتر و قطارات وورش لصيانة القطارات وإدارة مكتملة فنياً ومهنياً وإدارياً ، ورئاسة سكك حديد الجزيرة التي كانت تفوق في إمكانياتها رئاسة سكك حديد السودان بعطبرة عدةً وعتاداً. وهندسة زراعية بالياتها وحفاراتهاوتركتراتها وشيولاتها ومعداتها الثقيلة والخفيفة ، وإسطول من السيارات يفوق عددها ضعف ما تملكه حكومة السودان من سيارات ، وبيوت العمال والموظفين وسرايات المسئولين وهذه المباني عددها 2500 منزل وعمارتين ببورتسودان وملحقاتها في مساحة 300 فدان ، وعمارة بلندن بالإضافة الى مكتب فيلانكشير ببريطانيا ، وعدد 14 محلج لحليج القطن في مارنجان والحصاحيصا والباقير، قسم إكثارالبذور ، قسم وقاية النباتات وهنالك المستودعات والمخازن الشامخة ، وشبكة إتصالات لاسلكية وأسهم في عدد من البنوك والشركات( شركة الأقطان ، البنك الزراعي ) ، بالاضافة الى سد وخزان سنارالذي شُيّد في عام (1925 م) والذي هو أصل من أصول المشروع ، وقُدرت أصول المشرع و بنياته الأساسية بأكثر من 60 مليار دولارأمريكي . وكانت الأهداف الأساسية من إنشاء مشروع الجزيرة تتمثل في الأتي:- * زراعة محاصيل الصادر، كالقطن وزهرة الشمس. * تحويل المنطقة من الزراعة التقليدية إلى الحديثة. * رفع المستوى المعيشي والخدمي باستيعاب 15 ألف مزارع، وتوفير السكن والخدمات الصحيةوالتعليمية لهم. * تحقيق التكامل الزراعي بإدخال الحيوان في الدورة الزراعية، * التوسع في زراعة الخضر والفاكهة للاستهلاك المحلي والتصدير. * استغلال حصة السودان من مياه النيل.( المصدر: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) . إلا أنه نتيجة لتذبب السياسات الزراعية بسبب عدم الاستقرارالسياسي بالبلاد نسبة لتعاقب الأنظمة والحكومات الأمر الذي كان له الأثر السلبي البالغ على مسيرة مشروع الجزيرة والمناقل وعدم إستكمال تحقيق أهدافه المرسومة وغاياته المنشودة ، بل وعدم الحفاظ على مستوى النجاحات والإزدهار والمكتسبات التي حققته في عقوده الأولى نتيجة لعدم إستقرار السياسات المالية والادراية والتنظيمية والتسويقية مما أدى الى تدهور البنيات التحتية للمشروع وتراجع وتدهور مسيرة إنتاجه ودوره الملموس والمشهود في الناتج المحلي الإجمالي . مشروع الجزيرة (الإنسان/ السكان) للحديث والتعرف على سكان مشروع الجزيرة في وقتنا الحاضر يجب أن نقرأ مراحل و سياقات التطور التاريخي لنشأة منطقة الجزيرة مكاناً و زماناً وإنساناً ( الجغرافية والديمغرافية ) ، إستناداًإلى إفادات المؤرخيين والباحثيين وبالرجوع الى كتب ومراجع التاريخ التي تناولت تاريخ منطقةالجزيرة عبر كل العصور التاريخية (القديم، الوسيط ، الحديث، المعاصر ) نجد أن منطقة الجزيرة ( بلاد ما بين النهرين/ النيلين.. النيل الازرق والنيل الابيض ) كانت جزاءً من ممكلة كوش ، ثم جزاءً من مملكة علوة المسيحية ( السودان القديم والوسيط) ثم كانت جزاءً من السلطنة الزرقاء/ممكلة الفونج/ سلطنة سنارالإسلامية التي قامت بعد دخول العرب والاسلام الى السودان، ثم كانت جزاءً من مديرية النيل الأزرق ومديرية الجزيرة ، ثم جزاءً من الأقليم الأوسط ، ثم جزاءً منها صارت ولاية الجزيرة(السودان الحديث و المعاصر ) ، فخلال هذه العصور التاريخية ( القديم ، الوسيط ، الحديث ،المعاصر ) سكنت وإستوطنت وعاشت منطقة الجزيرة مجموعات سكانية تعددت وتنوعت عرقاً وديناً ولغةً ولهجةً وثقافةً ، فبسقوط مملكة علوة وحكم العنج وقيام وسقوط السلطنة الزرقاء في سنار زحفت كثير من بطون قبائل الفونج/العنج جنوباً/جنوب النيل الأزرق ، وإنتشرت عدد من عشائر القبائل العربية على ضفتي النيل الأزرق والأبيض شمالاً ، ومنطقة الجزيرة وسط النيلين كانت شبه خالية من السكان ، أي في فترة ما قبل قيام مشروع الجزيرة كانت منطقة الجزيرة تصنف بالإنخفاض النسبي لعدد السكان والكثافة السكانية مع وجود قرى صغيرة متناثرة على ضفتي النيلين وتقل كلما إتجهت أواسط الجزيرة ، فكان لقيام مشروع الجزيرة الزراعي في عشرينيات القرن الماضي عظيم الأثر في جذب وهجرة وتوافد كثير من الناس الي منطقة الجزيرة ، حيث وفد الناس اليها فرادى وجماعات من مختلف أقاليم وجهات ومناطق ومدن وأرياف وقرى السودان ( شمال ، أواسط ، شرق وغرب السودان ) وبمختلف قبائلهم وفئاتهم ومهنهم وحرفهم ( مزارعيين ، عمال زراعيين ، موظفيين ، عمال، تجار ، رعاة....الخ) ، فكثير من القبائل والعائلات التي كانت تسكن أواسط السودان على ضفتي النيل الازرق من سنار جنوباً حتى الخرطوم شمالاُ وعلى النيل الازرق من كوستي جنوباً حتي الخرطوم شمالاً قدإنتشرت وسكنت وإستقرت في قرى ومدن مشروع الجزيرة ، وأن كثير منهم يعملون كمزارعيين ويملكون حواشات وبعضهم كعمال زراعين وتجار ورعاة ، وبعضهم موظفين وعمال في الدوائروالمؤسسات الحكومية وفي إدارات المشاريع الزراعية الأخرى ، بينما معظم الوافدين والقادمين الى المشروع من منطقة الخرطوم وشمال السودان ومن بعض أقاليم وولايات و مدن وأرياف السودان يعملون كموظفيين وعمال في إدارات وحدات وأقسام المشروع ( رئاسة إدارة المشروع مدني/بركات ،الأقسام ، التفاتيش/المكاتب ، القناطر ، السكة حديد ، المصانع ، المحالج ، .....الخ) ، وأن كثير من القادمين من غرب السودان يعملون كعمال زراعيين وأن عدد معتبر منهم يمتلكون أراضي زراعية/حواشات وبعضهم سكنوا وإستقروا في مدن ولاية ومشروع الجزيرة ويعملون في الأعمال والانشطة التجارية وفي الشركات و المصانع والأعمال المهنية والحرفية الأخرى وبعضهم يعملون موظفين وعمال في الدوائر والمؤسسات الحكومية وفي إدارات المشاريع الزراعية الأخرى ، فعدد معتبر منهم يسكنون في قرى مشتركة مع المجموعات السكانية الأخرى وبعضهم يسكنون في قرى منفصلة قائمة بذاتها ،وبعضهم يقيمون في تجمعات سكانية وقرى كبيرة ومتوسطة الحجم وبعضها صغيرة تطلق عليها ( كنابي/ جمع كمبو ) ، فصارت هذه المجموعات السكانية بمختلف أعراقهم وقبائلهم وألسنتهم وجهاتهم وفئاتهم الذين يسكنون قرى ومدن ولاية ومشروع الجزيرة صاروا يشكلون نسيجاً إجتماعياً وثقافياً متفرداً إطلق عليهم ( أهل الجزيرة / ناس الجزيرة /إنسان الجزيرة / مجتمع الجزيرة / مواطني الجزيرة ) ، و كل منهم صار مكملاً للاخر ( المزراعين ، العمال الزراعيين ، الموظفين والعمال ، الرعاة ، التجار.... الخ ) وكل منهم يعطي معنى وقيمة لوجود الأخر تحكمهم أسس حسن الجوار والسكن والديار المشترك وأسس وقيم التعايش السلمي والتواصل الإجتماعي بينهم ، وصارت بينهم مصالح مشتركة ويتبادلون المنافع المادية والمعنوية ، فصارت لهم قضايا وهموم وتطلعات مشتركة ، وتجمعهم ماضي وحاضر واحد ، وتوحدهم المصير الوحد وتقلقهم محنتهم الواحدة المتمثلة في تراجع وتدهورمشروعهم الذي كان له الأثر الأكبر في الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية التي يتبؤها السودان عقود عدة ، فتكاملت أدوارهم وإسهاماتهم ومهامهم في إنجاح وإزدهار وإستمرار وبقاء المشروع سنوات طويلة ، وكانت لموقع مشروع الجزيرة و كثافة سكانه و تركيبته الاجتماعية الدور الكبيرفيتقدم ولاية الجزيرة مكاناً وإنساناً ، وإزدهار مدنها ومراكزها الحضرية و قراها العامرة بالسكان وبالحياة التجارية والنشاط الزراعي والرعوي حيث أن معظم سكان مشروع الجزيرة يجمعون ما بين الزراعة وتربية الماشية والأنشطة التجارية ذات الصلة بالانتاج الزراعي والحيواني، ويقدر عدد سكان الجزيرة أكثر من ثلاثة 3 ملايين نسمة أي 3.796.000 نسمة (وفق أخر بيان بموقع الامانة العامة لمجلس الوزراء ) ، وتشير الإحصاءات إلى أن 80,4% من السكان يقطنون الريف و19,1% يقطنون الحضر(المدن) ، فقديماً وعبر التاريخ الطويل المتمرحل لمنطقة الجزيرة حدث تداخل وتفاعل وتمازج بين عائلات من قبائل الفونج وكثير من المهاجرين والوافدين من العرب المسلمين ، إذ إمتزجت كثير من العائلات العربية الوافدة مع عدد كبير من عائلات قبائل المنطقة (السكان المحليين الأفارقة ) ونتيجة للتداخل والتجاور والإحتكاك والتواصل بين هذه المجموعات السكانية إنتشر الاسلام واللغة العربية في السلطنة الزرقاء ( مملكة الفونج ، سلطنة سنار ، الدولة السنارية ) التي كانت تجاور من الناحية الشرقية أثيوبيا ومن الناحية الشمالية ديار البجة ومن الناحية الجنوبية دار الشلك ومن الناحية الغربية سلطنة دارفورالإسلامية ، وقد أرخ بعض المؤرخين على أن سلطنة سنار كانت تمثل المركز الجنوبي لإمبراطورية كوش ، فكانت ولاية الجزيرة ومنطقة سنار والنيلين الازرق والأبيض المعقل الرئيسي لسلطنة الفونج حتى سقوطها على يد محمد على باشا 1821م ، فأصبحت الجزيرة منطقة تلاقي وتواصل إجتماعي وتلاقح ثقافي وحضاري جمعت تاريخياً بين السكان المحليين الأفارقة وتلك القبائل والمجموعات العربية التي هاجرت ووفدت الى منطقة الجزيرة وتلك القبائل والمجموعات السكانية التي وفدت من الشمال والشرق والغرب والتي إستقرت و إستوطنت المنطقة قديماً وحديثاً وعكست تنوعاً عريضاً متفرداً تذخر به ولاية الجزيرة اليوم والذي كان جزء من الاقليم الاوسط ، ، بهذا تميزت ولاية الجزيرة بتنوع ديمغرافي وتركيبة إجتماعية فريدة حيث يضم عدد من الأعراق والقبائل التي شكلت إنسان ولاية الجزيرة وإستطاعوا التعايش والتواصل مع بعض وتضافرت جهودهم وتعددت وتنوعت إسهاماتهم وتكاملت أدوارهم في إنجاح وإزدهار مشروع الجزيرة الذي ظل يجود بالخيرات الوفيرة لاهل السودان كافة سنوات طويلة ، بل وفاضت خيراته وعمت وأغاثت كثير من الشعوب والدول ، حتى صار يطلق عليه (سلة غذاء العالم ، الجزيرة المروية ، جزيرة الخير ، أرض المحنة ، الجزيرة الخضراء ) إلا إنها مع سياسات حكومة الإنقاذ الخاطئة الفاشلة التي قضت على الأخضر واليابس ماعادت الجزيرة خضراء كما كانت من قبل مجي نظام الانقاذ الي الحكم في ليل شديد الظلام والناس نيام بانقلاب عسكري ليلة 30 من يونيو1989م. حقائق النجاح والإزدهار ... وأسباب التدهور والإنهيار نجاح وإزدهار مشروع الجزيرة يقاس بمدى تحقيقه للأهداف المرسومة والغايات المنشودة التي من أجلها تم إنشاءه ، فاستناداً الى حقائق الأرقام والاحصائيات المُوثقة والمنشورة ومشروعات التنمية ومؤشرات نمو الاقتصاد السوداني خلال العقود الاولى للمشروع وبناءً على معطيات الواقع الزراعي لمسيرة المشروع وتحولات حياة مواطني الجزيرة ، أن مشروع الجزيرة حقتت نجاحات باهرة إتسعت كماً ونوعاً ، وحققت إزدهاراً معتبراً بمقاييس ومعايير مؤشرات التنمية والنمو الاقتصادي ، ووقف الكل شاهداً ومؤكداً على ذلك ، حتى صار موضع إهتمام إقليمي ودولي ، وجذب أهتمام كثير من المنظمات المالية العالمية وبيوتات الخبرة الدولية وسال لعاب كثير من الطامعين في ثروات وخيرات السودان ،فالوضع الراهن الذي يعيشه ويمر به المشروع وإنسانه مقارنة بالعقود والسنوات الأولى للمشروع يؤكد أن المشروع بدأ ناجحاً وإستمر في تحقيق النجاحات تلو الأخرى وصولاً الى مستوى متقدم من الإزدهار ، ثم بدأ يتراجع ويتدهور شيئاً فشيئاً وصولاً الى مرحلة الإنزلاق والانهيار التدريجي ، وتجلت أوضح صور ومجالات نجاح المشروع في تحقيقه لنسبة معتبرة من أهدافها المرحلية في إطار الأهداف الاستراتيجية الكلية للمشروع في محاورها التنموية الإقتصادية والاجتماعية ، أحدث المشروع تغيرات جذرية وجوهرية في حياة مواطني ولاية الجزيرة ،وساعد على الإستقرار الإجتماعي ورفع مستواهم المعيشي من خلال الدور الانتاج الزراعي والصناعي والتجاري والخدمي للمشروع حتى نهاية ومنتصف التسعينات حيث شهدت مدن وقرى الجزيرة إزدهاراً وتطوراً ورقياً كبيراً وكانت عامرة بالسكان ، فالإزدهار يعني حالة تتخطى مجرد البقاء على قيد الحياة لتشمل الإستقرار المتمرحل بالنمو والتطور الإيجابي ، وكما يعني التنمية المثلى عبر مجموعة من مجالات الحياة مثل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوصول لاهداف وغايات إيجابية منشودة ، فالحكومة البريطانية كانت هدفها الأساسي من إنشاء مشروع الجزيرة هو مد مصانع الغزل والنسيج البريطانية بحاجتها من خام قطن طويل التيلة ، إلا أن أهداف عدة وغايات شتى ومصالح متنوعة ومنافع جمة و فوائد كثيرة تحققت للسودان منذ إنشاء المشروع وحتى سنوات بداية الإنهيار التدريجي للمشروع نتيجة تفاقم مشاكله (مشاكل ادارية ، مشاكل الري ، مشكلة التمويل، .....الخ )، وتعقيدات مسارات إصلاحه والتي يرجعها الكثيرون لاسباب وعوامل إدارية وإقتصادية وسيـاسية تأمرية غدت تشكل تهديداً خطيراً لأستمرار وبقاء المشروع ، فأصبح المشروع بين مطرقة التدهور المريع وسندان المحاولات الفاشلة لإصلاحه وإعادة تعميره ، حيث إنتهت البنية التحتية التي أسسها الإنجليز وإنتهى نظام الإدارة (المكاتب ، القناطر ، الصمد ، الخفير) الذي كان سائداً حتى السنوات القليلة الماضية من عمر مسيرة المشروع . وسوف أتناول بشي من التفصيل والسرد المطول هذه الجزئية من مقالي هذا حول مسيرة نجاحات وإزدهار المشروع وأسباب إنتكاستها وتراجعها وتدهورها مستعرضاً مقتطفات من بيان تحالف مزراعي الجزيرة والمناقل بتاريخ يناير 2015م ، حيث ورد ضمن فقراته أن جذور الثورة المهدية ومقاومةالسودانيين دفاعاً عن الأرض بدأً بثورة ودحبوبة وعلي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين وإحتجاجات مزارعي طيبة والقسم الاوسط وإضراب المزارعين الشهير عام 1946م وموكب ميدان عبد المنعم عام1954م ، والتي أجبرت المستعمر والحكومات الوطنية علي وضع قوانيين وسياسات زراعية تلبي التطلعات، بداً بقانون أراضي مشروع الجزيرة 1927م الذي حدد العلاقة ما بين الملاك والحكومة بدفع قيمة إجارة الأرض للمزارعين حيازة منفعة في ظل علاقات إنتاج قامت علي الشراكة بين الحكومة والشركة وادارة المشروع والمزارعين حيث تقوم الحكومة بالتمويل وإيجار الأرض والري وصيانة المنشأت، والادارة بتكلفة التشغيل والعمالة ، ويقوم المزارع بالعمليات الفلاحية بالاضافة الي جهده في عمليات الأشراف ، حيث خضعت الي العديد من التعديلات حتي وصل نصيب المزارع الي 47% بالاضافة الي مال الخدمات الإجتماعية بنسبة 2% ، إذ استطاع إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل النهوض بالجزيرة خدمياً محدثاً تغييرًا إجتماعياً، قام بتشييد (1022) مرفق صحي يمثل 16% من جملة المرافق الصحية في السودان (مستشفيات- نقاط غيار- مراكز صحية) أما بالنسبة للتعليم فقدتم تشييد (3508) مرفق تعليمي (مدارس اساس- مختلط – ثانوي- محو امية – تعليم قبل المدرسي) هذا بالاضافة الي مصلحة الآبار التي قامت بتوفير مياه الشرب الصالحة بالاضافة الي كهربة قري الجزيرة وأندية الترفيه والسينما المتجولة وجريدة الجزيرة ، لم تقف خيرات هذا المشروع علي الجزيرة والمناقل ، بل ظل يساهم على المدى الطويل لأكثر من 45% من جملة الصادرات قبل دخول البترول ،حيث ظل يقدم الخدمات لكل أهل السودان ، فعلى أكتاف مشروع الجزيرة وبعرق جبين إنسان الجزيرة وعلى حساب إنتاج وأرباح المزراعين أنشئت وقامت كل الوزرات والمدارس والمستشفيات ومعظم المؤسسات العامة و المنشأت الحكومية ( سكة حديد السودان- ميناء بورتسودان – جامعة الخرطوم- الوزارات – خزان سنار ) بالاضافة الي البنيات التحتية الاساسية ( محالج- هندسة زراعية- سكك حديدية- منازل – مكاتب ، قناطر...الخ) التي سددت تكاليفها من إرباح وعائدات القطن ، هذابالاضافة لتوفير عمالة ثابتة تجاوزت (12890) شخص عمال ، موظفين- فنيين- مهندسين فضلاً عن عمالة خاصة بالري (2000) شخص (خفراء- فنيين- مهندسيين) وعمالة موسمية بلغت(130) ألف بالاضافة الي عمالة عرضية وعمالة محلية ، إلي جانب المزارعيين وأسرهم ، هذه العمالة تصل الي 8% من جملة العمالة في السودان ونجد ان (2,5—-3) مليون نسمة يعتمدون في معاشهم المباشر علي مشروع الجزيرة فضلاً عن توفيره للمواد الخام الصناعية ، فقد قامت صناعات تحويلية تتمثل في الزيوت والنسيج وطحن الغلال ، بالاضافة الي الحركة التجارية بالاسواق وقيام مدن تجارية وخدميةعلي مستوي أقسام المشروع الذي لم يقف عطاءه علي الانتاج الزراعي بل أصبح مصدرًا للزراعةالمختلطة(حيوان- نبات) وتوفير الأعلاف وإنتاج الخضر والفاكهة ، وجلب العملات الصعبة ، وأصبح المشروع ضامناً للحكومة ولإنتاج بترول السعودية لدي المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي –صندوق النقد الدولي ) الي جانب ما يقدمه كعائد مباشر للمزارعيين والدولة ، و إستمر العائد للحكومةوالمزارعين حتي إنقلاب الفريق إبراهيم عبود حيث وصلت البلاد بعثة البنك الدولي 1963 التي عرفت بلجنة الخبير( رست ) من أجل إعادة تأهيل المشروع وقد تمثلت توصيات لجنة رست في رفع الحد الأدني للحيازة الحواشة في الجزيرة الي 360 فدان و 270 فدان في المناقل ، إلا أن المزراعين رفضواتلك التوصيات عبر إتحادهم والقوى الوطنية ، ففي عهد حكومة مايو أصدر الرئيس نميري قرار بتغييرعلاقات الإنتاج من الحساب المشترك\الجماعي الى الحساب الفردي على الرغم من أن الخبراء دعوا الى ضرورة الإبقاء على الحساب المشترك مع تحفيز المنتجيين إلا أن الرئيس نميري لم يأخذ برأي وتوصية المختصين الخبراء ، وبدأ في تنفيذ نظام الحساب الفردي الذي أدى الى توسع نشاط القطاع الخاص وترتب على ذلك إرتفاع تكلفة الزراعة ( عمليات الانتاج والانتاجية) وتراجع دور الدولة في الزراعة وصار المزراعين غير قادرين على مقابلة تكلفة الانتاج المتزايدة ، فارتفعت مدينويتهم بزيادةضرائب المياه والارض لأنه صار للدولة حصة ثابتة ومرتفعة من إجمالي عائد القطن بأسم ضريبة المياه والأرض التي تزيد كل عام ، حتي كان إنقلاب الانقاذ يونيو 1989م التي تبنت سياسة التحريرالاقتصادي وخصخصة القطاع العام وتمكين القطاع الخاص المحلي والعالمي لهذا وضعت خطةعشرية (1992-2002) تعتمد علي إزالة وإلغاء كل التشريعات والقوانيين التي تعوق وتقف ضد أليات السوق ووضع التشريعات والقوانيين التي تخدم سياسة التحرير الاقتصادي والخصخصة، ولذلك وضعت العديد من البرامج بداً بالبرنامج الثلاثي الاقتصادي 1990-1992م إلا إن نتائجه كانت ضعيفة خاصة في المجال الزراعي الذي كان يمثل المدخل الاساسي لبرنامج الاستراتيجية القوميةالشاملة التي تقوم علي خصخصة كل القطاعات الاقتصادية ، ولمعالجة ذلك تم اصدار قانون التصرف في المرافق العامة 1992م وفي العام 1996م تم تكوين اللجنة العليا للتصرف في المرافق العامة والتي اصدرت قراراً بخصخصة 17 مشروع ومؤسسة زراعية ، وكان علي رأسها مشروع الجزيرة والمناقل بقرار جمهوري بتاريخ 8-10-1996م بالرقم 1155 حيث بداء تنفيذه في ذات العام وفي أواخر 1999 تزامن وصول بعثة البنك الدولي مع وصول بعثة منظمة الفاو(FAO) حيث وافقتا علي إجراء تجربة روابط مستخدمي المياه ، وقد تم إختيار مكتب عبد الحكم بالقسم الاوسط وعلي ضوء مقترحات البنك الدولي من خلال تلك التجربة تم إعداد قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م بواسطة إتحاد المزارعيين(الحكومة) الذي لم يشارك المزارعيين في إنتخابه، وقد أُجيز علي عجل قبل توقيع إتفاقية نيفاشا وبهذاتحقق حلم الراسمالية العالمية ومؤسساتها التي تمثلت في توصيات لجنة رست وتسارعت وتيرة تنفيذ قانون 2005 بداً بتشريد العامليين حيث طالت الهيكلة كل الكادر البشري من مهندسين – عمال - موظفين الخ حيث كانت أعدادهم (12863) حتي وصلت عام 2011 الي (21) شخص في مشروع يعادل مساحة دولة هولندا وهو أكبر مشروع في العالم به 18 قسم تضم 114 مكتب به أكثر من 130 ألف مزارع موزعين علي 1150 قرية تساهم معهم عمالة في عملية الانتاج في 1249 كنمبو ، أن الهيكلة كانت المدخل لكل الفوضي التي طالت المشروع حتي الدراسة التركية التي أجريت لهيكلة العامليين بالمشروع اقترحت 75 شخص وبانهيار العمالة والنمط الاداري إنهارت البنيات وسرقة الاصول واصبح المشروع تحت رحمة المفسدين والمقاوليين ووكلاء الشركات من قيادات حزب المؤتمرالوطني وقيادات الاتحاد والاتحادات الفرعية ، ثم كانت الهجمة علي أصوله بمنهجية صارمة حيث بدأت بوحدات الهندسة الزراعية والمحالج والاتصالات وقنوات الري للعمل التجاري بفتح الباب أمام القطاع الخاص (بنوك- شركات – افراد- مقاوليين – متعهدين) في مجال الخدمات الزراعية فكانت شركات ( دال – روينا- الوادي الخضر- مركز سنار- البايونيل......الخ ) نعلم من هم أصحابها ، هذا بالاضافة الي محفظة البنوك التي تجاوزت أرباحها نسبة 54% كل هذا ساهم في إرتفاع التكلفة مماأدي الي تقليص المساحات وقلة العائد وإنهيار بنيات المشروع وإفقار وإذلال المزارعيين. ) ...(نعلم تماماً القوانيين التي عملت علي الاستيلاء علي المشروع ومؤسساته من قبل الحكم العسكري بدأً من توصيات لجنة رست في عهد عبود وتغيير علاقات الانتاج الي فردي بقرار من نميري حتي وصلنا الي قانون 2005م وقانون 2010م وتعديلات قانون 2005م المعدل سنة 2014م كل ذلك لارتباط هذه الانظمة العسكرية والشمولية بمؤسسات النقد العالمية وإرتباطها بالراسمالية الطفيلية التي إتخذت شكلاً أخر حيث قامت بتقسيم المشروع الي (23) وحدة أنتاجية تم توزيعها الي شركة خدمات متكاملةوهي((سماح- النصيح- ريلا- ريو- قوم الرشيد - عصم الخير- منسيكو- ودالنورة - الشتاء والصيف -اللواء الاخضر- يقسطون - احمد محمد عمر- التجاني محمد احمد – السنيورة - عمر الامين-صراصر(ياسروعلي الصديق) ابوسنية – الوراق – زنقحة – ماتريوت – أتية – البدري – كوشيك - ايبي اتيش- توشنا - الماطوري)) بأسم أفراد ومجموعات من قيادات الاتحاد والمؤتمر الوطني شُيدت هذه الشركات من أصول هذا المشروع التي بيعت وهي ملك للمزارعيين التي سدد قيمتها مزارعي الجزيرة من أرباح موسم 50-1951م وممتلكات المزارعيين التعاونية التي سُرقت ونُهبت أيضاً ، وبهذاأمتلكت وسيطرة الراسمالية الطفيلية علي مفاصل المشروع حيث صارت تدافع عن القانون الكارثي لسنة 2005م وتعديلاته لسنة 2014م)،(إنتهى مقتطفات بيان التحالف) ، وللحقيقة والتاريخ لقد تم بيع أصول مشروع الجزيرة بمبلغ قدره 31 مليار دولار والذي أورد تفاصيلها السيد/بكري النور عيسى في مقال له منشور في منبر سودانيات رداً على حديث عوض الجاز الذي طالب أهل الجزيرة بأن من يتهم الإنقاذ بالفساد فاليأتي بالدليل والإثبات أو يصمت لأن الإنقاذ لا يأتيها الباطل لا عن يمينها ولا عن يسارها فهي مبرأة من كل عيب ؛ فرد عليه في معرض مقاله قائلاً : ( الفساد الأول بالجزيرة وأنت وزيرا للمالية :-- فالنبدأ بك أيها العفيف النزيه الشريف ففي عهدك أنت كنت وزير المالية بيعت أصول مشروع الجزيرة بمبلغ وقدره 31 مليار دولار تفاصيلها كالأتي:-- 1- بيع سكك حديد الجزيرة بمساحة 1300 كلم. 2- الهندسة الزراعية بعدتها وعتادها. 3- بيع 14 محلج بمارنجان والحصاحيصا والباقير. 4- بيع أكبر عمارة تابعة للمشروع بلانكشير ببريطانيا. 5- بيع 3 عمارات و150 منزل ببورتسودان تابعة لمشروع الجزيرة في مساحة 300 فدان بالإضافة لبيع كل ما بداخلها من مستودعات ومخازن فاقت المائة. 6- بيع 2500 وحدة سكنية بالمواد الثابتة ببركات ومارنجان والحصاحيصا والباقيروالتفاتيش وغيرها. 7- بيع 375 سرايا مساحة السرايا 5 فدان. 8- بيع 84 منزل حكومي بالحي البريطاني بمدني فوق البيعة . المبلغ يساوي 31 مليار سلمت لك حينها كنت وزيراً للمالية وأنت تعلم علم اليقين بأنها أموال المزارعين المساكين وتم الإحتيال عليها بخازوق 2005 الذي أخذ ممن يملك وأعطى لمن لا يستحق ، أهل هذا فساد عن الإنقاذ أم صلاح سيادة الوزير؟ أم هذا رزق ساقه لكم الله كما يقول فقهاء الإنقاذ الراسخون في السرقة؟ تشريد 17 الف عامل وموظف بأسرهم أليست هذه شهادة وإثبات أم هذه فلاحة أوشطارة كما يحلو لكم تسميتها؟ عمارة في بريطانيا وثلاثة عمارات في بورتسودن ألا تعرف يإسم من سجلت من النافذين أو النافذات ؟ الا تعلم لمن من النافذين آلت ملكية 14 محلج وأصبحت شركة بإسم أرض المحنة؟؟؟ ألا تعلم لمن من المنافقين آلت مخازن ومستودعات مشروع الجزيرة. أين ذهبت هذه المليارات أيها الملياردير ؟ الفساد الثاني بالجزيرة وأنت وزيراً للصناعة: 1- تعطيل 350 مصنع بالباقير الصناعية بالجزيرة ومن ضمنها 83 مصنع تم إيقافها بقرار من موظف بمحلية الكاملين وتشريد 23 الف عامل بأسرهم اليس هذا فسادا ودماراً. 2- تدمير ثمانية مصانع للنسيج والغزل بمارنجان وتسويتها بالأرض وأصبحت أثراً بعد عين وتشريد13 ألف عامل ماذا تعتبر هذا يا سيادة الوزير. 3- تدمير 17 مصنع بالمناقل وتشريد ألاف العمال أليس هذا فساد؟ بربك ماذا تسميه؟ 4- تدمير مصنع الغلال الذي يملكه المزارعين بقوز كبرو بالحصاحيصا أليست هذه جريمة؟ 5- تدمير مصنع الغزل والنسيج بالملكية شرق مدني والذي يخص مزارعي المشروع أليست دليل دامغ لسوآءاتكم؟ 6- تدمير مصنع الغزل بحاج عبدالله أليس دليل شافي لفسادكم؟ 7- تحويل حصة مشروع الجزيرة من المياه لصالح سد مروي لتطوير الصناعة على حساب الزراعةأليست هذه كارثة؟ ( إنتهى مقتطف مقال بكري النور عيسى) فمشروع الجزيرة مر بعدة مراحل منذ إنشاءه حتى اليوم وشهد خلال هذه المراحل توسعاً افقياً وراسياً في الانتاج والانتاجية بزيادة المساحة الارض والاهتمام بالثروة الحيوانية ، وهناك دراسات أجريت وأكدت إمكانية توسيع مساحة المشروع الى 3 مليون فدان. المرحلة الأولى إبّان فترة الحكم الثنائي (1925 - 1955م) المرحلة الثانية، التوسع الأفقي للمشروع (1955 – 1970م) المرحلة الثالثة، التوسع الرأسي للمشروع منذ 1970 م
وخلال هذه المراحل أًتُبع نظام الدورات الزراعية التي إتسعت كماً و نوعاً ( الثلاثية ، الثمانية ،الرباعية ، الخماسية السائدة حتى اليوم) فكل دورة من هذه الدورات الزراعية لها أيجابياتها وسلبياتها ومشاكلها ، وكما أن التغيرات في الدورات الزراعية كانت لها أثر كبير ودور مباشر في إرتفاع تكلفةالانتاج وضعف الانتاجية ، وكان لتعدد وتذبذب السياسات الزراعية للحكومات المتعاقبة دورها المؤثرفي مسيرة المشروع بما في ذلك طبيعة ومسار علاقات الإنتاج ( البداية كانت بنظام الحساب الفردي ثم التحول الى نظام الحساب المشترك\الحساب الجماعي ثم الرجوع الى الحساب الفردي السائد الى اليوم ) فكل من النظامين (المشترك والفردي) له إيجابياته وسلبياته ومشاكله ، وكذلك نظام التمويل وسياسة التمويل التي اُتبعت في الماضي والمتبعة حالياً ( التمويل التقليدي \نظام الشيل ، نظام التمويل الحكومي ، نظام التمويل التجاري السائد اليوم بعد تطبيق سياسة الخصخصة في المشروع بالاضافة الى التمويل الذاتي) هذا وبالاضافة الى دور سياسات وتوجهات الانظمة الحاكمة في تسييس إدارة المشروع وعدم إشراك المزارعين في ادارة المشروع بالصورة التي تناسب حجهم ووزنهم ودورهم الحقيقي في عملية الانتاج والانتاجية ، وكانت لسياسة التحرير الاقتصادي وخطط الخصخصة التي إنتهجتها حكومة الانقاذ تجاه المشروع دور كبير في تراجع و تدهور المشروع وإنهيار بنياته التحتية بتاثيرها المباشر على الانتاج والانتاجية بارتفاع تكلفة ضريبة رسوم الماء والأرض والخدمات الادراية والزراعية والانتاجية ، وتأثيرها الحاد على إدارة المشروع وعلاقات الانتاج فتدهور الوضع الاجتماعي للعاملين بالمشروع ( المزراعين ، العمال الزراعين ، الموظفين والعمال في الادرات المختلفة ( الشئون الادارية ، الادارة المالية، الادراة الهندسية ، ...الخ) وفي المؤسسات الخدمية بالمشروع مما أدى الى تراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للمشروع ، فبسبب السياسات الزراعية الخاطئة والقاصرة التي انتهجها نظام الانقاذ تجاه مشروع الجزيرة تدهور المشروع في كل مجالاته الانتاجية والخدمية والاقتصادية والادارية وتدهور أحوال المزراعيين والعمال الزراعين وموظفي وعمال أدارات المشروع والمؤسسات المساندة للمشروع ، وتأثر عموم سكان ولاية الجزيرة ومواطني الولايات المجاورة وعموم الشعب السوداني ، وأهتزت ركائز الاقتصاد السوداني بتراجع دور وإسهام المشروع في الانتاج الزراعي والصناعي بالبلاد ، ولا يخفي على أحد الدور الذي ظل يلعبه مشروع الجزيرة في تنمية اقتصاديات السودان الزراعية والصناعية وإتاحة مئات الالاف من فرص العمل لقطاعات عريضة وفئات كبيرة من أبناء الشعب السوداني ، وظل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني لأكثر من 90 عاماً الا أن المشروع شهد تراجعاً ملحوظاً وتدهوراً كبيراً منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي وبلغ ذروته ببدء تنفيذ قانون عام 2005م ويسير المشروع وبسرعة نحو هاوية الإنهيار ، الامر الذي يضع الكل خصوصاً مزراعي مشروع الجزيرة وأبناء ولاية الجزيرة والشرفاء من ابناء الشعب السوداني الحادبين على مصلحة السودان أمام خيار واحد فقط لا ثاني له وهو التحرك والعمل على وجه السرعة وبصورة جادة وبكل عزيمة وإصرار باتخاذ الخطوات والاجراءات الحاسمة والضغط على حكومة المؤتمر الوطني لإيقاف سياسات التدمير والتخريب والتصفية والخصخصة التي طالت المشروع ومؤسساته وتسببت في تدهوره وانهيار بنياته الاساسية ووضعت المشروع على حافة الإنهيار الكامل ، وأثرت بصورة كبيرة جداً على أوضاع المزراعين والعمال الزراعين ، وتسببت في إفقارهم وتشريدهم وحرمانهم من التمتع بحياة معيشية كريمة تليق بإنسانيتهم ، مما دفعهم لبيع ممتلكاتهم ومدخراتهم لمواجهة الإرتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات الاساسية ولتأمين الإحتياجات الضرورية وتوفير اسباب بقاءهم على قيد الحياة ، ونسبة للتزايد والتنامي المستمرلأعداد المزراعين والعمال الزراعين ومع ثبات المساحات الزراعية والسكنية وتراجع وتدهور أحوال الانتاج الزراعي والصناعي عموماً بدأت تطفو على السطح مشاكل إجتماعية ومعيشية أدت الى عزوف كثير منهم الزراعة ولجأوا الى البحث عن والاعتماد على مهن وحرف وأعمال أخرى غير الزراعة وبعضهم تركوا الزراعة وحياةالريف و هاجروا ونزحوا الى أقاليم و ولايات ومدن ومناطق السودان الأخرى بعد أن ضاق بهم الحال وتضاءلت فرص النجاح والتقدم في الحياة وخابت آمالهم في إصلاح المشروع وإعادته الى سيرته الأولي في المدى المنظور والمستقبل القريب خصوصاًبالنسبة للمزارعين وذلك لتزايد عدد افراد الاسرة الواحدة (الأباء ، الأبناء ، الأحفاد) وثبات مساحة الحواشة التي كان يزرعها الجد أوالأب عندما كانت الاسرة صغيرة ، فبوفاة الجد اوالأب تدخل الحيازات والحواشات ضمن الميراث مما يؤدي الى تقسيم الحواشات الى حيازات ومساحات صغيرة ونسبة لأرتفاع تكلفة العمليات الزراعية والفلاحية وضعف الانتاج الزراعي مع تزايد ضريبة الماء والأرض وتراكم الديون قد يضطر بعضهم الى الدخول في شراكة او تأجير الحواشة (الدنقدة) او بيع حواشته لأصحاب رأس المال والشركات التي بدأت تنشط في شراء الحواشات في المشروع مستغلة التأثيرات السالبة التي لحقت بالمزراعين نتيجة سياسة الخصخصة وقانون مشروع الجزيرة لعام2005م ، وأن عدد كبير من أبناء المزراعين والعمال الزراعين خصوصاً الفئة المنتجة في عمر الشباب قد هاجروا واغتربوا خارج السودان وصاروا أيدي عاملة رخيصة في دول المهجر واللجؤ وأصبحت معظم اسرهم وعائلاتهم تعتمد على دخل ابناءها الموظفين والمغتربين في مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي تزداد سوء يوماً بعد يوم بعد ان أفشلت حكومة المؤتمر الوطني مشروعهم العملاق الذي كان يضرب به المثل في نوعية وكمية الأنتاج ونجاحاته وإزدهاره وضخه لأموال كثيرة في الخزانة العامة للدولة وإسهامه في الناتج الاجمالي القومي ، وكانت كثير من شعوب ودول العالم تعول على مشروع الجزيرة أن يكون سلة غذاء لهم وصومعة يلجأون اليها في أوقات المجاعات والازمات والكوارث ، ولكن المؤسف والمحزن حقاً هو أن صرنا نحن أهل السودان عامة وأهل الجزيرة خاصة نتسول عند دول الجوار كالأيتام نبحث عن الغذاء وفتات موائد اللئام ، ورهنا كرامتتا وعزتنا مقابل حصولنا على الغذاء والكساء والدواء والمأوى من شعوب ودول بالامس القريب كنا نحن بالنسبة لهم مصدر غذاء وكساء وسبباً في نهضتهم وتقدمهم في شتى مجالات الحياة ، الا ان نظام الانقاذ الظالم و

راشد فضل بابكر

عدد المساهمات : 52
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 12/03/2015
العمر : 65

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع الجزيرة  - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار Empty تابع مشروع الجزيرة - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار

مُساهمة  راشد فضل بابكر السبت 15 أغسطس 2015 - 23:30

تابع

مشروع الجزيرة - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار
بقلم: المزارع / إبراهيم إسحق عمرالأنصاري
نشر بتاريخ: 04 آب/أغسطس 2015

وأضيف شهادتي وأقول ما عشته ورايته و سمعته ، انا المزراع/ إبراهيم إسحق عمر الأنصاري من قسم المنسي ، مكتب الجديد ، من أسرة عدد أفرادها 9 ( 8 أولاد ، وبنت واحدة ) نسكن ونقيم بقرية (العمارة كرم الله ) منذ تأسيسها الذي تزامن مع سنوات إنشاء وقيام المشروع ، ونمتلك حواشتين بترعة قاسية/مكتب الجديد منذ إنشاء المشروع ، وبالاضافة الى حواشة ثالثة بترعة الجديد/مكتب الجديد مسجلة بأسم الوالد وبعد وفاته ورثها أخواني من زوجته الثانية الذين يسكنون معنا في نفس القرية ، فظللنا نفلح ونزرع هذه الحواشات عقود من الزمان ، فمنذ قيام المشروع وحتى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات كان إنتاج الفدان الواحد من القطن والقمح والفول والذرة اوإنتاج الحواشة الواحدة كان إنتاجاً كبيراًووفيراً ، فانتاج الفدان الواحد من القطن كان يزيد عن (10) قناطيراً وفي بعض الأحيان يفوق ال(21) قنطاراً ، فالحواشة الواحدة كانت تحقق أرباح وعائدات مالية تكفي لتغطية كل تكاليف ومصروفات متطلبات الزراعة والفلاحة وعمليات الحصاد ونظافة الحواشات في الصيف بين الموسمين ، ودفع رسوم وضريبة الماء والأرض والخدمات الأدارية والتكاليف الخفية الأخرى ، ومن ثم إستغلال وإستثمار الفائض منها في الأنشطة التجارية المختلفة و في مجالات أخري كإصلاح وصيانة وتحديث او شراء أدوات وأليات الانتاج و بناء او تحديث المنزل الذي نقيم فيه بالقرية او شراء الحيوانات اوشراء العقارات والمنازل في المدن ( المناقل ،مدني ، الخرطوم ،...الخ) وفي غيرها من المتطلبات والإحتياجات الضرورية اوالكمالية للحياة، فعندما يقترب موعد صرف أرباح القطن للمزراعين ( الحساب المشترك سابقاً والحساب الفردي منذ مطلع الثمانييات) كان والدنا وكافة المزراعين وحتى العمال الزراعين بالقرية يكونون في قمة الفرح والإستعداد للذهاب الى المكتب حيث صرف المبالغ المالية (صافي أرباح القطن) كل مزراع حسب عدد القناطير التي أنتجها في الموسم الزراعي الفائت ، وكان كل مكتب من مكاتب المشروع يشهد حضوراً كبيراً من الناس ويقام في ذلك اليوم سوقاً كبيراً يعرض فيه التجار أنواع مختلفة من السلع والبضائع ( ملابس ، أحذية ، لحوم ، مواد عذانية ، خضروات وفواكه ، أواني وأثاثات منزلية ،أدوات الزراعة والفلاحة والحصاد ، ...الخ) وكان المزراعين يعطون ملبغ مقدر من أموالهم لعامة الناس من المعارف والأصدقاء والأهل والمساكين والفقراء وحتى بعض العاملين في المكاتب والقناطر كالصمد والخفير يُحظون بهداية مالية وعينية معتبرة تقديراً لدورهم الأشرافي والأرشادي للمزارعين ، وكنا نحن المزراعين بقرية العمارة كرم الله كل مزراع منا ظل يستخرخ ويدفع قنطار قطن لعدة سنوات وبمساهمات ومشاركة العمال الزراعين وكل الذين يسكنون القرية إستطعنا أن نوفر خدمة الكهرباء للقرية منذ منتصف التسعينات وقمنا بتحسين مرافق وخدمات التعليم والصحة والماء ودور العبادة والرياضة ، وعلى مستوى الأسرة تظل كثير من صور ومشاهد الازدهار والرخاء في حياة المزراعين خالدة في ذاكرتنا ما حيينا خصوصاً ومشهد والدنا المزراع الحاج/الفكي إسحق وهو قادم من المكتب بعد صرف أرباح القطن وكمية وحجم الأموال ظاهر في جيوب جلابيته وعراقيهوالباقي في كيس ملفوف بقطعة قماش ويأتي وهو محمل بكثير من الهدايا والمأكولات والخيرات والنعم ، وفي ساعة وصوله من المكتب يقوم بتوزيع نسبة من الاموال لنا /كل أفراد الأسرة ، فكل منا يستلم هديته من النقود الورقية الجديدة النظيفة الجميلة ، وكما يوزع نسبة منها للأقارب والأهل والمساكين والفقراء ويخصص نسبة كبيرة منها لتحسين الوضع المعيشي للعائلة وترميم وصيانة المنزل ولأغراض العلاج والسفر والمناسبات المختلفة ، وجزء منها يوظفها لتعلمينا وشراء احتياجاتنا المدرسية وحتى أن أثنين من إخواني درسوا في أفضل الجامعات المصرية في الثمانينات وتعلمنا ودرسنا نحن بقية أفراد الأسرة كل المراحل الدراسية وتخرجنا من أعرق الجامعات السودانية بفضل الله ثم بفضل صافي ارباح وعائدات حواشاتنا خصوصاً عائدات القطن (الذهب الابيض) بل وأمتلكنا اراضي زراعية أخرى بمشاريع النيل الأبيض ( رصرصة / قرية الحصاحيصا ) شمال شرق الجزيرة أباء وشمال مشروع سكر كنانة ( كنانة ون ) وشرق مشروع كنانة ( كنانة تو ) حيث صارت جزء من أراضي مشروع رصرصة الزراعي ضمن مساحة مشروع سكر كنانة تو ، وهذا وبالإضافة الى شراء أراضي سكنية و تجارية في المدن وعشنا حياة هنية ومعيشة رخية بمقاييس حياة الريف والقرية وكان معظم إحتياجاتنا وطلباتنا مُلبى من قبل الوالد ، وهكذا كان حال وحياة غالبية أسر وعائلات المزراعين بالمشروع لما كان المشروع بخيره وإدارته ناجحة والسياسات الزراعية للدولة كانت داعمة للزراعة ومحفزة ومشجعة للمزراعين ، لكن إنقلب الأمر راساً على عقب بسبب السياسات الزراعية الخاطئة لحكومة الإنقاذ ، فلم يعد عائدات إنتاج الحواشة تفي بتغطية تكاليف الإنتاج و لا تكفي لأعالة فرد واحد دعك من إعالة اسرة كاملة ، فمعظم أفراد الأسرة تركنا الزراعة وبعضنا إغترب خارج السودان بحثاً عن مصادر دخل أخرى بسبب أرتفاع تكاليف الزراعة عموما وتراجع وتناقص إنتاج الحواشة فضلاً عن تراكم الديون ، وتركنا واحد من الأسرة بالقرية ليقوم بزراعة وفلاحة الحواشات ومتابعتها والإشراف عليها إلا أنه نسبة لإستمرار أرتفاع رسوم وضريبة الماء والأرض وتكاليف الخدمات الإدارية والزراعية والإنتاجية إضطر الى تأجير( دنقدة ) حواشة وإعطاء الحواشة الثانية لأسرة من أسر القرية لزراعتها بنظام (الشراكة) ليقوم أخي بعملية زراعة القطن والقمح ، فأتصلت به بعد أن سمعت أعلان والي الجزيرة عن بداية صرف أرباح القطن بمشروعي الجزيرة والرهد 29 مارس 2015م وقلت له : أها يا أخوي صرف ارباح القطن ما جا إن شاءالله تصرف حاجة كويسة عشان تحل ليك جزء من مشاكلك!!! ؛ رد عليَّ قائلاً: وين يا أخوي أنا المكتب ذاتو ما ماشي لانو تمشي هسة يقولو ليك دايرين منك مبلغ كدا بتاع كدا ومبلغ كدا بتاع داك ويطلعوها ليك كلها كسور و بواقي وديون في ديون ساكت ، ديل كرهونا ذاتو، فقلت له : إنت أمشي عشان تعرف التفاصيل وتعرف حقك كم ولو باقي جنيه ما تخليهو ليهم ، قال لي: حأمشي كأن نلقى حق الملاح ساكت ، وختم حديثه قائلاً : الزراعة بقت ما جايبها حقهايااااخ ضياع زمن ساي ، والواحد أحسن يتخارج يشوف ليهو طريق هجرة ساكت أفضل ليهو من الزراعة والكلام الفارغ دا ، قلت له : ديل غشونا قالوا جو عشان ينقذو المشروع غطسو حجرو ، وقالو دايرين يصلحو قامو خربو مرة واحدة ، قلعوا القطن و زرعوا في محلو شجر المسكيت ، دمروا المشروع وعمروا بيوتهم ، غِنوا هم وفقروا المزارعية ، شبعوا هم وجوعوا المزراعية ، ويا أخوي عليك بالصبر ويا حليل أيام زمان لما كانت الدنيا بخيرا والزراعة تحل كل مشاكلنا .. والله يعوضنا !!! . أطروحات الإصلاح و مسارات النهوض الشامل مشكلة مشروع الجزيرة بدأت صغيرة بسبب الأهمال وسوء الادارة ، فالاشكالات الادارية هي واحدة من الأسباب الرئيسية في تدمير المشروع والتي ترجع في الأساس الى فشل الحكومات المتعاقبة في تشخيص المشلكة مما أدى الي تأزم المشلكة وتعقيداتها ، فعندما جاء نظام الانقاذ زاد الطين بلة بتشخيصه الخاطي لطبيعة المشكلة ووضع معالجات خاطئة وحلول جزئية لمشكلة وأزمة المشروع ، بل وإنتهج حيال المشروع سياسات تدميرية بوضع العراقيل والمعوقات وإختلاق المشاكل وإفتعال الازمات ورسم مخطط تأمري تخريبي لإفشال المشروع بهدف توفير المبررات الموضوعية لخصخصته وتحويله لشركات القطاع الخاص التي أصحابها هم رموز النظام الحاكم وقيادات حزب المؤتمرالوطني الذين إنطبق عليهم المثل القائل (حاميها حراميها ) بحذافيره ، فنظام الانقاذ هو السبب الرئيس وراء تدهور وإنهيار المشروع ، وأن قيادات ورموز حزب المؤتمرالوطني الحاكم هم من يتحملون المسئولية التاريخية والسياسية والاخلاقية في تدهور وإنهيار المشروع وسرقة أصوله وممتلكاته ، وأغرقوا المشروع الى أذنيه في وحل المشاكل المعقدة والأزمات الحادة ، فالوضع الراهن الذي يمر به المشروع يؤكد دون أدنى مجال للشك الفشل الذريع للسياسات الزراعية لنظام الانقاذ (البرنامج الاقتصادي الثلاثي ، النفرة الخضراء ، النهضة الزراعية ، ....الخ ) وأن كثير من الدراسات والابحاث التي أجراها وأعدها وقدمها عدد من المؤسسات الاكاديمية والمنظمات والخبراء والعلماء والاقتصادين الزراعين والعاملين بالمشروع قدموا لحكومة المؤتمر الوطني عدد من التوصيات ومقتراحات حلول ومعالجات وخطط إصلاحية إسعافية لإنقاذ المشروع وإخراجه من أزمته والنهوض به ، إلا أن الحكومة لم تأخذ بها ولم تعيرها أدنى إهتمام ولم تسترشد بها في وضع سياساتها الزراعية ، فتمادت في أخطاءها وتنفيذ سياساتها وخططها الفاشلة تجاه المشروع ، بل وأقدمت على أرتكاب خطيئة كبرى و جريمة منظمة وممنهجة ومتعمدة بحق المشروع وإنسانه باصدار قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م إستمراراً لتنفيذ سياسة التحرير الأقتصادي التي إنتهجها نظام الانقاذ منذ مطلع التسعينات عندما سارعت حكومة الإنقاذ بإصدار قرارها رقم 115 بتاريخ 18 أكتوبر 1992 الداعي لخصخصة مشروع الجزيرة كبداية لخصخصة جميع مؤسسات ومشاريع الزراعة المروية بالسودان ، ولمزيد من السيطرة المُحكمة على مفاصل إدارة المشروع ضماناً لتنفيذ سياستها أقدمت حكومة الانقاذ على تسييس العمل الزراعي بأن أبقى مسالة تعين مدراء المشروع قراراً سياسياً بأمتياز بحيث يتم تعين مدير المشروع تعيناً سياسياً ، فتم تعين عدد من المدراء ليس لهم علاقة بالولاية ولا بالمشروع ، وكما هو الحال تعين محمد طاهر أيلا ولاياً لولاية الجزيرة والذي ظل يطلق التصريحات الفضفاضة والوعود البراقة لمواطني الجزيرة بأنه سوف يقوم باصلاح المشروع وكأنما يمسك في يده عصاً سحرية وانه صاحب القرار لحل مشكلة وأزمة الجزيرة بين ليلة وضحاها ، فالحقيقة الفائتة على الوالي الطاهر أيلا او تعمد نسيانها هي ان مشكلة مشروع الجزيرة ليست في الاشخاص والتصريحات إنما في السياسات والتوجهات ، فمحمد طاهر إيلا الوالي المُعين هو ليس من أبناء الجزيرة ولا يملك فداناً واحداً في المشروع ولم يسبق له ان عمل بالمشروع لا مزارع ولا عامل ولا موظف ولا حتى خفير و لا حتى مجرد مواطن سكن في أحدى مدن اوقرى المشروع ، فهو لا يعرف جذور مشكلة المشروع وعوامل تعقيداتها وتأزمها وأسباب تدهور وإنهيار المشروع ، وان إدعى معرفتها فهو لا يملك الخطط ولا يملك قرار وضعها وطرحها وأليات تنفيذها ، ونحن مواطني ولاية الجزيرة لم ننتخبه ولم نختاره ولم نزكيه ولم نطلبه ليكون والياً علينا إنما فرض علينا فرضاً من قبل نظام لا يريد الخير لأهل الجزيرة ، حيث تم تعينه تعيناً سياسياً وبقرار رئاسي وصار والياً على الجزيرة ومُنح وظيفة سياسية بدون صلاحيات ، فمشاكل ولاية الجزيرة ومشروعها أكبر من أمثال إيلا وفهمه وقدراته وتصريحاته الفضفاضة ، طبيعي جداً اي والي جديد لما يتم تعينه سيكون متحمساً ومتسرعاً وأشتراً في قراراته وسياساته وتصريحاته ويطلق الشعارات المنمقة والوعود البراقة (الجديد شديد) فكثير من الولاء من أمثال إيلا قالوا واطلقوا تصريحات وشعارات ووعود غليظة بحل مشاكل ولاية ومشروع الجزيرة وتلبية وتحقيق مطالب وتطلعات مواطني الجزيرة وإسترداد حقوقهم السياسية المهضومة والاقتصادية المسلوبة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساوأة بين مواطني الولاية في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة ، إلا أنهم وللاسف الشديد عمقوا المشاكل وأغرقوا الولاية ومواطنيها في بحرٍ من المشاكل والأزمات التي تزداد وتتدحرج من السيء الى الأسوأ يوماً بعد يوم ، فمحمد طاهر أيلا وغيره من ولاة ولاية الجزيرة السابقين ما هم الا عبارة عن ديكورات وواجهات صورية ، فاصحاب القرار الحقيقي في الخرطوم هم الذين يخططون وأمثال إيلا ينفذون ، وهم من يرسمون ويطبخون سياسات خصخصة وتدمير المشروع وأمثال إيلا يباركون ويمررون وينفذون ، فيا أهل الجزيرة سوف ترون لوحدكم ان أيلا سوف يقضي أيامه أو شهوره وسنواته وسيذهب الى حيث أتى مخلفاً وراءه المزيد والكثير من المشاكل والازمات والمحن لمواطني الجزيرة ومشروعهم المُتأمر عليه من قبل الحاسدين والحاقدين والطامعين في خيراته وثرواته .
فمن واقع التجارب والظروف والمشاكل التي تمر بها ولاية الجزيرة عموماً ومشروع الجزيرة على وجه الخصوص والتي هي مرحلة حرجة وعصية تحتاج الى أن يكون على رأس هذه الولاية مواطن من مواطني الجزيرة ، وأن يكون مدير إدارة المشروع مزارع أوأبن مزارع أومالك أرض وصاحب حواشة ومن ضحايا سياسة الخصخصة ومن المتضررين من سياسة التدمير والتخريب المتعمد التي مورست بحق المشروع وإنسانه ، فهناك الكثيرين من أبناء الولاية على درجة عالية من الكفاءة والإقتدار والجدارة والخبرات لادارة شئون الولاية ومشروعها وحل ومعالجة المشاكل وازالة المعوقات التي تقف في طريق تطور ونهضة وتقدم الولاية ومشروعها وإنسانها ،وبتضافر وتكامل جهود كل الأطراف ذات المصلحة والصلة بالمشروع يتم بلورة برنامج إسعافي وخطط مرحلية وإستراتيجية شاملة ومتكاملة للاصلاح والنهوض بالمشروع وإنسانه ، فالتجارب تؤكد وتقول ان صاحب القضية هو صاحب الوجعة والواطي على الجمرة ، وهو الذي يعاني من حدة الأم وحرارة الوجعة وقساوة المحنة ، فهو الوحيد القادر على التعبير بصدق عن إحساسه بالألم والوجع وعن معاناته ومأساته وهو القادر على تشخيص المشكلة ووضع خطط الحلول والمعالجات الناجعة لها ، وهوالوحيد القادر على متابعة وتقيم ومراجعة وتعديل وتطوير وتحديث اليات تنفيذها وإنزالها على أرض الواقع ، وهو الوحيد القادر على تجاوز المشكلة والازمة مهما إستعصت وتأزمت وتعقدت ، فنقطة البداية تكون باعادة تأهيل وتطوير المؤسسات الخدمية المساندة للمشروع في العمليات الزراعية والانتاجية والارتقاء بمستوى كفاءة الادارة والعمل على ترقية الخدمات الاجتماعية ( الصحية ، التعليمية ، ...الخ) لتحسين الوضع الانتاجي والمعيشي للمزارعين والعمال الزراعين والعمل على تحقيق حياة معيشية كريمة بقدر إنتاجهم وتحقيق التوزيع العادل لعوائد الانتاج الزراعي والصناعي للمشروع ، وفي تقديري ان الامر يتطلب تبني الدولة لسياسة الاقتصاد الزراعي القائمة على أخر ما توصلت اليه تقانة علوم الزراعة والصناعة، فالمشروع كان وسيظل العمود الفقري للاقتصاد السوداني إذا ما أعيد تأهيله وبقى ملكاً للقطاع العام وتحت رعاية وتمويل وإشراف الحكومة وبالشراكة مع المزارعين والعالمين فيه ، لذا لابد من تمويل المشروع من الخزينة العامة للدولة لسببين ، أولهما: ان الدولة السودانية مدانة لمشروع الجزيرة بديون كبيرة وضخمة وكان بمثابة الرئة التي تتفس بها الأنظمة والحكومات التي حكمت السودان منذ اللإستقلال الى يومنا هذا ، فالكل يعلم أن تكلفة تأسيس وإنشاء أغلب المنشأت الحكومية قد سددت ودفعت عداً ونقداً للحكومة البريطانية من أرباح المزارعين ( قيمة ميناء بورتسودان ، توصيل سكك حديد إلى الخرطوم – مدني – بورتسودان ، قيمة بناء الوزارات الاتحادية بالخرطوم ، بناء كلية غردون ( جامعة الخرطوم الآن ) ، بناء خزان سنار والقنوات والمواجير حتي نهاية المشروع ، قيمة سكك حديدالجزيرة ، قيمة المحالج والهندسة الزراعية (آليات) . ( راجع كتاب آرثر جينسكل لمزيد من المعلومات) ، ثانياً : للدور الذي ظل يعلبه مشروع الجزيرة في دعمه وإسهامه في الإقتصاد السوداني بأكثر من 80% من الناتج الاجمالي القومي وضخ ايرادات وأموال كبيرة في الخزانة العامة للدولة ،إذ كانت الحكومة تعتمد إعتماداً كاملاً على عائدات محصول القطن في تقديرات موازنة الدولة وهو المحصول الرئيسي من حيث العائدات ، وكان القطن ثروة قومية بكل ما تحمله العبارة من معنى ، فطالما ظل المشروع يرفد الخزانة العامة للدولة طوال التسعين عام الفائتة منذ تأسيسه وحتى تدهوره وإنهياره بسبب السياسات الزراعية الخاطئة لحكومة الانقاذ فقد حان الوقت الذي يجب على الدولة أن ترد الجميل للمشروع وذلك بتمويله وإعادة تأهيله وإصلاحه وتعميره ونهضته ، وحتى إذا إستندنا الى حقيقة أن كل أصول المشروع هو ملك للمزارعين وأن أسهم المزارعين في شركة الأقطان غير الأسهم في بنك المزراع وحدها تصل الى 40% من أجمالي أسهم شركة الأقطان فأرباح هذه الشركة يمكنان تمول المشروع وكل المشاريع المساهمة فيها لعشرات السنين ( وفقاً لتقديرات الخبراء ومذكرةالتحالف ) الا أن عمليات الفساد التي طالت شركة الأقطان من تلاعب في أسعار الفواتير وتأسيس عشرات الشركات الخاصة وتحويل الصفقات الى النافذين والمتنفذين الفاسدين المفسدين في حكومة المؤتمر الوطني تجعل إمكانية قيام الشركة بعملية التمويل شبه مستحيلة الأمر الذي يجعلنا ندعم وبشدة أعلان التحالف الذي أكد إعتزامه تحريك إجراءات قانونية في مواجهة المتورطين في نهب وسرقة ممتلكات واصول مشروع الجزيرة البالغة قيمتها نحو 43 مليون دولار ، وكذلك تحريك إجراءات قانونية أخرى في مواجهة إتحاد المزارعين بالجزيرة لتحويله لاموال خاصة بالخدمات الاجتماعية يتجاوز 3 مليار جنيه من القسم الشمالي لوحده بجانب تحويل ملكية أكثر من 40 سيارة خاصة بالمزارعين الى مسئولي الاتحاد ، وكخطوة أولى في طريق الإصلاح الشامل للمشروع لابد من إلغاء قانون 2005م أو تعديل المواد التي تسببت في تدهور المشروع ومحاسبة المفسدين الذين نهبواممتلكات المشروع واسترجاع اصول المشروع المنهوبة والمسروقة بدواعي الخصخصة و بدافع التخريب والتدمير ، فاخراج المشروع من أزمته والنهوض به وأعادته لسيرته الأولى يتطلب اولاً العمل على أيقاف السياسات الزراعية الخاطئة والقاصرة والعشوائية التي ظل ينتهجها نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، فلإيقاف هذه السياسات الزراعية لا بد من العمل على تغيير عقلية وطريقة تفكير وتخطيط وتوجهات رموز النظام الحاكم ، فهذا يبدوا أنه من المستحيلات لان عقولهم تحجرت وشاخت وغير قادرة على الإنتاج والأبداع الفكري الخلاق ولا على إستعياب أطروحات التغيير والاصلاح والمواكبة والتقدم ، بدليل انه رغم مرور ربع قرن من الزمان منذ بداية حكمهم للسودان الا ان السودان لايزال يتخبط في دياجير الأزمات السياسية ويئن تحت وطأة المشكلات الإقتصادية وقابع في محيط التخلف الاجتماعي ، لذا لابد من العمل على تغيير النظام الحاكم وإقتلاعه من جذوره وطي ملفه ورميه في جب عميق ، 25 سنة والنظام الحاكم لم ينسى شيئاً ولم يتعلم شيئاً ، والأدهى والأمر ليس لديه أي إستعداد لتغيير سياساته وتوجهاته وسلوكه الاقصائي وقبول أطروحات الاصلاح والتغيير ، وليس لديه أية نية لتصحيح أخطاءه وتصويب أداءه ، بل ويتمادى في إرتكاب وتمرير وتنفيذ مزيد من السياسات الخاطئة والإرتجالية والعشوائية والفوقية والسطحية ، ويتخبط ويتهور في الحلول والمعالجات ويقود السودان تراباً وشعباً نحو الهاوية ، لذا يتوجب على عموم أبناء الشعب السوداني العمل على دعم ومناصرة التنظيمات التي تناضل من أجل اصلاح المشروع وإيقاف تدهوره وإعادةاعماره وإعادته الى سيرته الأولى .
وهنا نحي تحالف مزراعي الجزيرة والمناقل على مواقفه الجريئة والشجاعة ومحاولاته الجادة ومساعيه الحثيثة لأخراج قضايا وإشكالات وأزمات المشروع وإنسانه من دائرة الشكوى الى رحاب المبادرة والمطالبة بايجاد حلول جذرية وشاملة وعادلة ودائمة لها ، والعمل على كشف حجم الاخطاء والتجاوزات والمخالفات والجرائم التي أرتُكبت وترتكب بحق المشرروع من قبل قيادات النظام الحاكم ممثلين في أعضاء حزب المؤتمر الوطني وقيادات نقابة العاملين وإتحاد المزارعين ، فأن إنشاء كيان خاص للمزارعين موازي لاتحاد المزراعين المسيس والمُسيطر عليه من قبل قيادات المؤتمر الوطني -أعداء الولاية والمشروع وإنسانه - انه لعمل مشروع وخطوة جيدة وإيجابية وشجاعة للدفاع عن القضاياالعادلة والمطالب المشروعة لمواطني الجزيرة كافة في الوقت الذي يعمل فيه النظام الحاكم على نسفيه وعرقلة وتجاهل نداءات ودعوات وجهود مبادرات الإصلاح والنهوض بالمشروع وإنسانه ، ونضم صوتنا لدعوة ومطالبة الأستاذ/حسبو إبراهيم محمد عضو سركرتارية تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل في مقال له منشور بصحيفة الراكوبة بضرورة إستعادة قيادة إتحاد المزراعين من (العصابة) الحالية إلي سيرته الأولي كمصلحة مستقلة مهمتها خدمة سكان القطاع المروي في الجـزيرة والمناقـل وفي مقدمة ذلك لا بد أن تقوم الخدمات الإجتماعية بإستكمال تخطيط القري وتجميع القري الصغيرة بعضاً لبعض وتوفير الخدمات الصحية وتأهيل المراكز الصحية والمشافي الريفية وتوفير مياه الشرب النقية عبر حفرالمزيد من الآبار الجوفية الجديدة و القيام بصيانة الآبار الموجودة حالياً ، وكذلك لأبد من مراعاة أوضاع التعليم بتأهيل المدارس وتعميمها بقري المشروع في المرحلتين الأساس والثانوي وضرورة مجانيةالتعليم الفعلية في هاتين المرحلتين وخـاصة لأبناء فقراء المزارعين والعمال الزراعـيين ، كما نهدف لإدخـال الكهرباء لجميع قري الجزيـرة والمناقـل ومع ذلك لابد من تأهيل كادر فني من أبناء الجزيرةعبر فتح معاهد تعليم فنية ومهنية ومراكز للتدريب المهني والإستفادة من البعثات والمنح الخارجية حيث كانت تخصص في السابق منح لمشروع الجزيرة بغرض التأهيل في مختلف المجالات .
وكما أود أن أشير إلى وأؤكد على موضوعية ومنطقية اُطروحات الإصلاح ومقتراحات الحلول ومسارات النهوض الشامل بالمشروع التي تقدم بها عدد من الخبراء والمختصين واللجان والمنظمات ومراكز البحوث والدراسات ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ما طرح وقدم في الدراسة التي أعدها/ الأستاذ الأمين عبد الباقي بعنوان (دراسة حول الإصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة) ، وكذلك تقريرلجنة خبراء مشروع الجزيرة الذي أعتبره الكثيرون وثيقة تاريخية لم يسبقها مثيل في تقيم مشروع الجزيرة منذ إنشاءه وحتى اليوم ، وكذلك ما تقدم به تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل من مقترحات للاصلاح في المذكرة التي قدمها التحالف للنائب الاول لرئيس الجمهورية الأستاذ/ على عثمان محمدطه ، حيث إستعرضت المذكرة النواحي التاريخية التي مر بها المشروع وتحليل الوضع الراهن وتشخيصه والظروف المحيطة به خاصة بعد بدء تطبيق قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م ، وما ألم بالمشروع من معوقات ومشاكل قادت الى تفكيك وتصفية العديد من الوحدات الداعمة والمؤثرة في العملية الانتاجية داخل المشروع ، وتقديم عدد من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تعين في الخروج من الوهدة التي يعيشها المشروع الأن إرتكازاً على أساس أن الزراعة هي المحرك الأساسي للاقتصاد السوداني ويعتمد عليه 80% من السودانيين في معاشهم ، فإن الدعم الحكومي للزراعة من خلال السياسات المشجعة أو التمويل اللازم أمر في غاية الأهمية، فدول الاتحاد الأوربي وضعت 49% من ميزانياتها لدعم الزراعة خلال عام 2007م ( تقدر بـ 50 مليار يورو) وكذلك الولايات المتحدة التي تدعم دعماً مباشراً 20 محصولاً يأتي علي رأسها الانتاج الحيواني (الأعلاف ) 34% ثم محصول القطن 17% وهكذا، في حين أن حكومة السودان وضعت ما لا يزيد عن 3% فقط من ميزانيتها لنفس العام - وكذا الحال بالنسبة لكثير من السنوات وضعت الدولة ميزانيات ضعيفة وبسيطة جداً للقطاع الزراعي - عليه لضمان تشغيل مشروع الجزيرة بالصورة المطلوبة فلا بد أن تعمل الدولة على دعم كافة الأنشطة الزراعية بما في ذلك التسويق ، وإنتهاج سياسة الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي للشعب السوداني وتصدير الفائض لجلب عملات صعبة وضخها في المشروعات الاستثمارية ودعم القطاعات الانتاجية والخدمية ، وكثير من الدراسات وتقارير الخبراءوالمختصين والمنظمات أكدت على أن إنقاذ وإصلاح مشروع الجزيرة لا تحتاج سوى إعادة تأهيل بنياته الأساسية والتي تقدر بحوالي 800 مليون دولار ، إلا أن النظام الحاكم لم يأخذ بتلك المقترحات والتوصيات ، فنظام الانقاذ وحكومة المؤتمر الوطني أصل الداء و أس البلاء ، فمنذ إستيلاء هذا النظام على الحكم وسيطر على مفاصل السلطة وأحتكر أدوات المال ومراكز إتخاذ القرار بدأت فصول وحلقات مسلسل التدهورالتدريجي لمشروع الجزيرة وصولاً الى منحنى الانهيار الكامل وفي طريقها الى الفناء والتلاشي شيئاً فشياً ما لم تتسارع خطى الانقاذ والاصلاح ، حيث أن نظام الانقاذ هوالذي أقدم على إتخاذ السياسات التدميرية وأصدرت قوانين وتشريعات إفتعلت بها المشكلة وخلقت الأزمة، بالتالي عليه ان يتراجع عن سياساته الخاطئة الظالمة تجاه المشروع وإنسانه ، بدءً بالغاءقانون 2005م وكل القرارت والتشريعات ذات الصلة بها ، وإصدار قرارات رئاسية حاسمة من شأنها أن تعيد الأمور الى نصابها بوضع المشروع على طريق العودة الى سيرته الأولى لتعيد للمشروع خضرته وبريقه وسمعته ودوره التنموي النهضوي وعطاءه الثر وتفيض بثرواته الكثيرة وتعم بخيراته الوفيرة كافة أقاليم و ولايات السودان ، ويكون صومعة وسلة غذاء ومصدر كساء لكل ابناء الشعب السوداني ويكون مصدر ومحل فخر وإعتزاز لكل السودانيين ، إلا أن ما قاله الرئيس عمرالبشير ( مشروع الجزيرة خسران وعالة على الدولة ، والمزارع فيه مسيّس وتربية شيوعيين) دليل على النية المبيتة وراءإفشال و تدهور وإنهيار المشروع ويؤكد ان حكومة المؤتمر الوطني تعمدت إفشال مشروع الجزيرة لتفتيت قوة إتحاد وتضامن مواطني الجزيرة وإضعاف تماسك نسيجهم الاجتماعي بأعتبار أن الجزيرة معقل للاحزاب السياسية السودانية الكبيرة المعارضة لحكومة الانقاذ ، والحقيقة التي يعلمها الجميع وهي أن ولاية الجزيرة المروية تتمتع بموارد وخيرات وافرة وظل يعطي عطاءاً غير محدود للوطن، وقدمت الجزيرة نموذجاً للتعايش السلمي الفريد معززاً نسيجاً اجتماعياً متفرداً إنصهرت في بوتقه جميع الأعراق والثقافات والألوان ، وكان الأمل المرتجى أن يتم إستثمار وإستغلال كل هذه الميزات والخصائص والاستفادة من هذا التنوع من أجل خدمة إنسان الجزيرة والشعب السوداني عامة والسمو به إلى مرافي التقدم والرقي عدلاً ومساواة ورفاهية ، لكن المؤسف والمحزن حقاً هو ما طال إنسان الجزيرة وأرضه ومؤسساته من سياسات الظلم المنظم والتهميش المتعمد ، والدمار والخراب الذي طال المشاريع الزراعية والصناعية ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات الخدمية في المشروع بسبب السياسات الخاطئة والمدمرة التي مارستها كل الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ، والآن حكومة المؤتمر الوطني بعد أن خربت ودمرت مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات الخدمية في المشروع ، بل ونهبت وسرقت موارده وثرواته التي على سطحه ، فتحاول الآن سرقة ونهب موارد وثروات الجزيرة التي في باطنها من بترول وغاز و معادن ، والمعلوم للجميع أن مناطق كثيرة في الجزيرة تطفو فوق بحيرة من البترول والغاز إلاأن هنالك غموض وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بسياسات حكومة المؤتمر الوطني في مسالة إستخراج البترول في ولاية الجزيرة ، أضف إلى ذلك إن حكومة المؤتمر الوطني تمارس سياسات قذرة وممارسات خبيثة تنفيذاً لسياسة (فرق ... تسد) التي تتبعها مستغلة بعض ضعاف النفوس وأصحاب المصالح الذاتية والمتطرفين من أعوانها لتمرير وتنفيذ سياساتها الظالمة والإستبدادية التي تهدف إلى هتك وتفتيت النسيج الاجتماعي لمجتمع ومواطني الجزيرة وتمزيقه بضرب السلم الاجتماعي والتعايش السلمي بين مكوناته لتحقيق مصالحها الحزبية الضيقة وأهدافها السلطوية والتسلطية وبسط سيطرتها وهيمنتها الكاملة على الشعب السوداني عامة وشعبنا في الجزيرة على وجه الخصوص ، بل والأمر من ذلك هو أن حكومة المؤتمر الوطني تعمدت إهمال وتدمير وإفشال أهم وأكبر وأضخم مشروع زراعي في السودان وإفريقيا عامة بل وفي العالم كله – مشروع الجزيرة المروية الخضراء -الذي ظل يقدم ويعطي عطاءً غير محدود للوطن كأهم ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني منذ عشرينيات القرن الماضي ، إلا أن حكومة المؤتمر الوطني بعد إستخراج البترول أهملت ، بل وإنتهجت ونفذت سياسات خاطئة ومدمرة وتهميش مقصود تجاه المشروع ومزارعيه وعماله ومؤسساته الإدارية والخدمية تسببت في تدني الإنتاج وإنهيار المؤسسات في المشروع وبالتالي توقفت المشاريع الصناعيةالإنتاجية والشركات والمؤسسات الإقتصادية والمالية المتعلقة أو المرتبطة بشكل أو بأخر بالمحاصيل الزراعية التي توفرها المشروع الأمر الذي نتجت عنه الإفرازات الإجتماعية السالبة والمشكلات الاقتصادية والمآساة والمعاناة الإنسانية التي يعيشها مواطني الجزيرة اليوم، فبعد ذهاب الذهب الاسود ( البترول) بانفصال جنوبنا الحبيب عادت حكومة الإنقاذ لتبحث عن الذهب الأبيض ( القطن ) الذي تسببت هي بنفسها في ضياعه و بعد أن أصبحت خزينتها فارغة وقياداتها نهبوا ثروات البلد وعاثوا فساداً وخراباً في المشروع الذي لم يخصصوا له نسبة من عائدات البترول توقعاً لانفصال الجنوب وتحسباً لمثل هكذا ظروف إقتصادية يمر بها السودان في حال إنفصال الجنوب ، فهذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها السودان تؤكد وتكشف حقيقة الفشل الذريع لنظام الانقاذ في كل المجالات وبكل المقاييس وأن مشروعهم الحضاري مشروع تدميري وتخريبي بامتياز ،فآن الآوان لنعبر ونكشف المواجع والمظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ظل يعاني منها إنسان الجزيرة ، ولنعبر عن مطالب وتطلعات مواطني الجزيرة وإبراز إشكالاتهم وقضاياهم والسعي الجاد لإيجاد حلول عادلة وشاملة وجذرية ودائمة لها ، فانتهى زمن الصمت الخافت ودفن الرؤوس في الرمال ، فأهل الجزيرة يكابدون صعوبات الحياة ، ويصارعون الفقرومضاعفاته ، ويقاسون الجهل والتخلف والمرض ، ويعانون ظلماً وتهميشاً واستبداداً سياسياً وحرماناً اقتصادياً ... فمن إذاً لنصرة شعبنا في الجزيرة الخضراء !!!؟ ... ومن للمظلومين والمحرومين والفقراءوالمستضعفين الجوعى من المزراعين والعمال الزراعين الكادحين المسحوقين المشردين!!!؟ ... إلى متى هذا السكوت على الظلم والتهميش والضياع والذل !!!؟ ... إلى متى تظل ولاتنا الصادقة وتأييدنا للأنظمة الحاكمة الظالمة الفاسدة التي هتف شعبنا لها وأيدها وناصرها وساندها وما كان نصيبه إلامزيداً من الظلم والتهميش والإستغلال والإستغفال!!!؟ ...لقد تورمت حناجرنا وجف لعابنا وإنقطعت أنفاسنا من ترديد شعارات التأييد وأناشيد المناصرة و بجد طال هتافنا ( سير سير يا بشير نحن جنودك للتعمير ) فخدعوا شعبنا بشعارات منمقة ووعود براقة بحل إشكالاته وقضاياه إلا أنه نصيبه كان مزيداً من المعاناة والمأساة في كل مناحي الحياة ، فحان الوقت لنشد السواعد ونحشد الطاقات ونتلمس خطى النضال والكفاح بثبات وقوة وعزم لا يلين من أجل رفع الظلم وإنقاذ مشروع الجزيرة ،ويجب علينا أن نوحد جهودنا وصفوفنا وكلمتنا ومقاومتنا بغض النظر عن الخلفيات والخلافات والاختلافات السياسية والايديولوجية ، فالذي يجمعنا هو حب الوطن والانتماء والوفاء الخالص والمخلص لأرض الجزيرة الخضراء ومشروعه الرويان الرتيان ، فالنعمل من أجل بناءه ونهضته وتطور ورقي إنسانه ، رغم أن ولاية الجزيرة ثاني أكثر ولايات السودان كثافة بالسكان وأكبرها دعماً للاقتصاد السوداني إلا أن مشاركة أبناءها في السلطة ضعيفة ولا تتناسب مع حجمها السكاني ،ونصيبها من توزيع الثروة القومية وعمليات التنمية بسيط لا يسمن ولا يغني من جوع و لا يتناسب مع ما تقدمه وتضخه من موارد وأموال في الخزانة العامة للدولة ، وأبناء الجزيرة مهمشون ومغيبون ومبعدون من مراكز صناعة واتخاذ القرار ورسم السياسات على المستوى المحلي والولائي والمركزي ، ومشاركتهم وتمثيلهم في بعض دوائر السلطة ومطابخ القرار مشاركة صورية وتمثيل ديكوري و وجودهم وجود باهت وصوتهم خافت لا يعلو طنين الباعوض وسط زئير الأسود ، صوت لا يُشجي لنكافأ عليه ولا يُزعج ليُضع لنا ألف حساب ، صوت لا يُرغب لنُقرب أكثر ولا يُخيف ليُرفع عنا الظلم الأكبر. عليه نناشد مزراعي الجزيرة ومواطني الجزيرة كافة بوحدة الرأي و الكلمة والصف من اجل إنقاذالمشروع والعمل على إلغاء قانون 2005م وإستعادة اصول المشروع المنهوبة ومحاسبة كل الذين ساهموا في تدمير المشروع وسرقة ممتلكاته واصوله الثابتة والمتحركة والمنقولة ، ونتقدم بنداء عاجل ودعوة غليظة إلى أبناء الجزيرة الشرفاء الأوفياء خصوصاً أبناء المزارعين والعمال الزراعين وموظفي وعمال المشروع والى كل مواطني ولاية الجزيرة وإلى كل أبناء الشعب السوداني داخل السودان وفي دول المهجر والمنفى واللجؤ الغيوريين والحادبين على مصلحة السودان عامة ومشروع الجزيرة خاصة ندعوكم الى ضرورة دعم ومساندة ومناصرة حراك منظومات مواطني الجزيرة بمختلف مسمياتها وأطرها ( تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ، منبر ابناء الجزيرة ، حراك ابناء الجزيرة ، الرابطة العالمية للدفاع عن مشروع الجزيرة ،.....الخ) والإلتفاف حولهم لمواصلة مسيرة نضالهم في محاربة ومقاومة سياسات التخريب والتدمير والتشريد والتجويع والتركيع لإنقاذ هذا المشروع القومي وتحقيق تطلعات وطموحات مواطني الجزيرة والشعب السوداني عامة وتحريرهم من سياسات الظلم والتهميش والفقروالجوع والمرض، 25 سنة كافية وألف مرة كافية أن تجعل السودان في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وثقافياً وعلمياً وتكنولوجياً مقارنة بعدد سنوات حكم عمرالبشير وبالموارد والثروات الهائلة التي يتمتع بها السودان إلا أن السياسات الخاطئة والممارسات الخبيثة والفساد السياسي والإداري والمالي وسياسات الإقصاء والتهميش التي إنتهجها نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم جعلت السودان في مؤخرة دول العالم الثالث وجعلته يتخبط في دياجيرالأزمات السياسية والاقتصادية وقابع في محيط التخلف الاجتماعي . ومعاً من أجل أن يبقى مشروع الجزيرة لأهل الجزيرة معاً من أجل نصرة المزارعين الكادحيين المسحوقين والمقهورين في جزيرتنا المروية معاً من أجل رفع الظلم وإزالة التهميش عن مواطني الجزيرة الخضراء ومعاً من أجل العدالة الاجتماعية والرفاهية والعيش الكريم للشعب السوداني

المزراع /إبراهيم إسحق عمر الأنصاري مطلع أغسطس 2015م

راشد فضل بابكر

عدد المساهمات : 52
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 12/03/2015
العمر : 65

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع الجزيرة  - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار Empty مشروع الجزيرة (مواضيع متعددة) بقلم صديق عبدالهادي

مُساهمة  راشد فضل بابكر الأحد 16 أغسطس 2015 - 1:18

مشروع الجزيرة "شوكة" يصعب "بلعها"!! .... بقلم: صديق عبد الهادي
نشر في سودانيل يوم 06 - 09 - 2010
تمحلت السلطات والحكومات المختلفة، عبر تاريخ طويل، الكثير من الاسباب في سعيها الدؤوب لاجل وضع حد لمشروع الجزيرة وامتداد المناقل، وللخروج به نهائياً من دائرة النفع والانتفاع العام إلى رحاب الخصخصة والتي ما هي في حقيقة الامر سوى دائرة مصممة وبإتقان لكي لا تسع غير مؤسسسات وافراد في نهاية الامر. إشتركت جهات عدة محلية ودولية في نسج تلك الاسباب، وضافرت جهودها في تقوية قماشتها وفي توسيعها، إذ ما أن رأت سبباً او حتى اي ذريعة إلا ووظفت لها "الخبراء" و"الساسة" و"القادة المنتفعين" للعمل على صياغتها وغرزها فتلةً في ذلك النسيج.

الطرف الثابت على مر الحقب في الجهات الخارجية هو البنك الدولي بإعتباره سادن الخصخصة وحاميها على مستوى العالم. اما اطراف الجهات المحلية فقد كان يعتريها التبدل النسبي رغم ثبات جزء اصيل فيها وهو ذلك الجزء المتطلع لاحكام القبضة على الملكية الشاملة للمشروع، وترجع جذور تطلعه إلى التاريخ الذي ذهبت فيه الشركة الاستعمارية البريطانية عندما إنتهى عقدها، وحلت محلها إدارة مشروع الجزيرة قبل سنوات من فجر الاستقلال، أي في بداية الخمسينات من القرن الماضي. إن نهاية الخمسينات وبداية الستينات هي بالضبط الفترة الزمنية التى إلتقت فيها رغبات الاطراف المختلفة وانعقد عزمها على تخصيص مشروع الجزيرة. لا نود تكرار ما هو معروف سلفاً، ولكن لوضع الاساس الذي يقوم عليه هذا المقال لابد من ان نذكر بأن اول تدخل للبنك الدولي في شأن مشروع الجزيرة بدأ اول ما بدأ في عام 1963م بتلك اللجنة التي عُرِفت باسم "لجنة ريتس"، وتحت دعوى تقديم المشورة حول التركيبة المحصولية في المشروع وكذلك لتقديم الإستشارة حول الوضع الاداري فيه. كانت هذه اللجنة تضم في عضويتها ثمانية عشر عضو، وتكاد ان تكون قد غطت كل التخصصات من إقتصاديين، زراعيين، وإداريين وغيرهم، فمن بين هؤلاء الاعضاء لا يوجد غير سوداني واحد وهو المرحوم البرفسير النذير دفع الله، والذي كان يمثل مستشاراً دائماً للجنة، اما بقية الاعضاء فكلهم أجانب.
ان التوصيات الاساسية لهذه اللجنة لم يتم قبولها، وقد يكون ذلك بسبب التوقيت الذي تم فيه تقديم اللجنة لتقريرها، وهو العام 1966م، اي بعد ثورة اكتوبر 1964م، حيث كان المناخ العام في البلاد مفعم بالروح الوطنية العالية وبالنزوعٍ الطاغي لإستكمال الاستقلال السياسي بإستقلال إقتصادي، هذا بالاضافة إلى حقيقة ان مزارعي الجزيرة والمناقل وعلى وجه التحديد قيادة إتحادهم، كان لها دور فاعل في ثورة اكتوبر. وهو دورٌ ظل المزارعون يدفعون ثمنه إلى يومنا هذا، بل وانه يقف واحداً من أرأس الاسباب التي دفعت بالقوى المعادية للتطور الوطني المستقل بأن تؤمن بضرورة تصفية مشروع الجزيرة وتعمل على تجفيفه كمصدر من مصادر الريادة في التغيير الإجتماعي والتغيير السياسي، وهما تغييران في الاصل، كما هو معلومٌ، مرتبطان بفاعلية وإستقرارالنشاط الإقتصادي. وسمة الاستقرار تلك هي التي وسمت مشروع الجزيرة طيلة تاريخه.
ما تجدر الاشارة اليه هو ان ما خرجت به هذه اللجنة، إن كان الجزءالذي تمّ قبوله ام ذاك الذي تمَّ رفضه، قد مثلَّ القاعدة الاساس التي لم تحد عنها كل اللجان التي تعاقبت على تناول الشأن الخاص بمشروع الجزيرة، بما فيها فريق عمل البنك الدولي الذي تقدم بالتقرير المشهور الذي صدر على ضوئه القانون الجائر لسنة 2005م، وهو التقرير الذي عرف باسم "السودان، خيارات التنمية المستدامة في مشروع الجزيرة " وذلك في اكتوبر 2000م. إن لجنة "ريتس" اشارت الى ثلاث نقاط هامة، الاولى حول مسالة محصول القطن وتذبذب اسعاره، إلا انها رأت بان معالجة هذه المسألة تكمن في توسيع الرقعة المزروعة ورفع الانتاجية. والثانية ملاحظتها حول موضوع الحساب المشترك والتخلص منه، اما الثالثة فهي تتعلق بتنويع المحاصيل وتكثيفها ومن ثمَّ حرية إختيارها ولتكون تلك الحرية منوطة بالمزارع!!!. إنه وبالنظر إلى تاريخ الصراع في مشروع الجزيرة نجد انه من ضمن ما تمحور حوله كانت تلك الاشارات الثلاث. والتي كان إنجازها يمثل المقدمة الضرورية لانجاز الهدف النهائي وهو خصخصة المشروع. وبالفعل سار الامر الى هذه النهاية الآن بعد ان تمّ انجاز تلك التوصيات التي كان ان تمت صياغتها في منتصف الستينات من القرن المنصرم.
التوصية المتعلقة بالتخلص من الحساب المشترك فرضها البنك الدولي في عام 1983م وقد اشرك فيها اطرافاً خارجية اخرى وهي الحكومة الايطالية والحكومة اليابانية والصندوق العربي للتنمية، لان القرض الذي قدموه لاجل إعادة تأهيل مشروع الجزيرة إشترط إصدار قانون 1984م الذي ألغى الحساب المشترك وابدله بالحساب الفردي. اما التوصيتان الاخريتان فقد قام بإنجازهما قانون 2005م.
هذه التوصيات لم تقم على اي بينات علمية حقيقية بقدر ما انها قامت على نوايا مبيتة وطموحات راسمالية غير مشروعة في الاستيلاء على المشروع بعد نزعه من اهله بقوة القانون وبالابتزاز. ولنضرب مثلاً بموضوع محصول القطن باعتباره المحصول النقدي الذي صُمم عليه المشروع، والذي كانت ترى اللجان المختلفة، وخاصة فريق عمل البنك الدولي، بضرورة التخلي عنه بإعتباره واحداً من عوامل تردي المشروع (كذا!!!). وفي هذا الامر لن اتناول المعلومات الاقتصادية المتعلقة بمحصول القطن في الاسواق العالمية لدحض الافتراءات، وإنما اشير فقط إلى الافعال البائسة التي تقوم بها الحكومة المركزية ووالي الجزيرة الآن، حيث لم يعد امر العودة إلى زراعة محصول القطن في طور التفكير او المراجعة فقط بل ان العودة حدثت بالفعل. ولكن كديدنها في المرواغة، و"إستعباط" الناس، قالت السلطات بانها ستطلق تجربة العودة في خمسة أقسام زراعية ومن ضمنها قسمي وادي الشعير وسرحان!!!. فقط ليتصور القارئ "حكوة" "تجريب المجرب"!!!. ولكأننا في العام 1911م ونحن نقف بصحبة السيدين مستر "آر هيوسن" ومستر "دبليو آي دافي" على مشارف طيبة الشيخ عبد الباقي!!!.
في الاسبوع الاول من اغسطس المنصرم عاد السيد البروفسير الزبير بشير طه والي ولاية الجزيرة من جمهورية الصين ووفاضه ملئ بالاحلام الكبرى، لانه إكتشف في ولاية "شان دونق الصينية" أن القطن محصول نقدي من الدرجة الاولى، وأن تلك الولاية الصينية ما كانت لتكون بدونه، وانها راكمت من الخبرات ما لا يُضاهى!!!، فلذلك لابد ان تنعقد التوأمة بينها وولاية الجزيرة!!!، " عقب عودته من دولة الصين كشف والي ولاية الجزيرة بروفيسور الزبير بشير طه عن توقيع إتفاقية إطارية مع ولاية شان دونق الصينية للتعاون في مجال صناعات النسيج وتطوير زراعة القطن من خلال تقانات مستحدثة لتحضير الارض ، والتحسين الوراثي، والبذور المحسنة وحماية المحصول وتحسين النوعية وزيادة الانتاجية وتقليل كلفة الانتاج. ولتوفير محصول يغطي جزءاً مقدراً من إحتياجات منطقة شان دونق بإعتبارها احدى مناطق صناعة النسيج والحرير واكبر مستهلك للقطن طويل التيلة بالعالم والمنتج بالسودان" ( راجع جريدة التيار في يوم 13/8/2010م).
قإذا كان ذلك هو الامر في نهاية المطاف ، لِمَ تمّ التصرف في البنيات الاساسية للمشروع والتي صممت اصلاُ كبنيات مُعينة لانتاج محصول القطن في الاساس، وليس اي محصول آخر؟، ثمّ انه إن كانت تلك هي النتيجة وهي العودة إلى محصول القطن ، ما الذي كان مقصوداً من خلق تلك الحالة من الفوضى في المشروع طيلة السنوات السابقة؟ وما الذي يكمن من وراء تعجيز المزارعين وتخذيلهم في شأن زراعة القطن وتركهم نهباً للتخبط الاعمى في زراعة محاصيل لا تستند على اي علمٍ او دراية مهنية؟!!!.
لا تملك الحكومة ولا يملك والي الجزيرة ولا كل اللجان إن كانت تلك التي تتبع للبنك الدولي او لاي جهات أُخرى الاجابات لتلك الاسئلة البديهية. ولكن اهل السودان والمواطنون في مشروع الجزيرة يعلمون تمام العلم مقاصد تحالف السوء بين الراسمالية الطفيلية الاسلامية والدوائر الاجنبية. وهي مقاصد سيكون تحقيقها مكلفاً إن لم يكن اليوم فغداً.
جريدة الايام 5 سبتمبر 2010م.

مشروع الجزيرة في طريق العودة لسيرته الاصل .. بقلم: صديق عبد الهادي
نشر في سودانيل يوم 28 - 01 - 2012
هؤلاء الادعياء... لا يقرأون، ولا يحترمون "قانونهم"!!!.
إن اهل الجزيرة وكل المدافعين عن بقاء المشروع، يعلمون ان الطريق ما زال طويلاً امامهم في معركتهم الفاصلة مع الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس). فقرار محكمة الطعون الإدارية القاضي بالغاء القرار الجائر الخاص بتوفيق اوضاع ملكية الاراضي في مشروع الجزيرة، والذي اصدره مجلس إدارة مشروع الجزيرة "العميل" برئاسة احمد الشريف بدر، قد فتح الباب على مصراعيه للوقوف على حجم الفساد غير المسبوق، وكذلك سوء إستخدام السلطة. والمَصَارِع التي إنفضتْ، ستنفتح ليس فقط امام السودانيين، وإنما امام الرأي العام العالمي وبكل منظماته إن كانت الحقوقية منها او المنشغلة بأمر وبقضايا الشفافية على كل المستويات. فلأجل تحقيق ذلك الغرض، والذي هو واحدٌ من جملة أغراض، كان إصرار وتمسك أهل الجزيرة الصارم بحقهم في اللجوء إلى القضاء.
كشفت مرافعة محامي اهل الجزيرة أمام المحكمة عن حقائقٍ تستوي ومصاف الخيال. حقائقٌ لا يتردد أي عاقل في القول بأنها "لا تُصدق ولو قد حدثتْ"!!!. إن المجموعة التي توصلتْ وصاغت فكرة توفيق ملكية اراضي مشروع الجزيرة، ولتصبح فيما بعد ذلك، قراراً بعد إجازتها بواسطة مجلس إدارة المشروع، كانت تُعرف ب "فريق التخطيط والتنسيق". كان من المفترض ان يكون محتوى ذلك القرار هو خلاصة وعصارة لمحتوى تقارير ودراسات وصلتْ في قوامها إلى عشرة وثائق، قامت بإعدادها لجانٌ تميّز أداؤها وتناولها بالعمق والموضوعية، كما اشار المحامون في معرض مرافعتهم. ولكن مما يعقد اللسان بالدهشة، وقد يكون ان اذهل المحكمة وبحاجبها، أن لا احد ممنْ عجنتْ وخبزتْ يداهم ذلك القرار سبق له ان إطّلع على ايٍ من تلك التقارير والدراسات او إستنار بتوصياتها!!!. وقد كان من ضمنهم السيد محمد عبد الماجد كوكو،ممثل مجلس إدارة مشروع الجزيرة، والسيد ابو بكر التقي محجوب، رئيس فريق التخطيط والتنسيق، هذا بالإضافة للسيد عبد القادر احمد محمد، مقرر فريق التخطيط والتنسيق !!!. وقد اضاءتْ المرافعة وفيما يشبه الحسرة بأن "جميعهم يحملون درجات علمية رفيعة من جامعات عريقة، ويعملون بمشروع الجزيرة لعشرات السنوات، وجميعهم تدرج لأعلى الدرجات الوظيفية". وألحقتْ ذلك بقول هيئة الإتهام، والذي لم ينجح في إخفاء خيبة املها في أمثال اولئك المهنيين والمتعلمين، حيث جاء "أسفنا عند إقرارهم أمام محكمتكم الموقرة بعدم علمهم، وعدم إطلاعهم، على التقارير والمذكرات والتوصيات التي اشرنا إليها فيما سبق".
بالقطع، ومما هو مؤكد ان هؤلاء السادة المسئولون، وفي توصلهم لذلك القرار، لم يتوسلوا عقلية المهني او رصانة الباحث في نشدانه العدل، بقدرما انهم آثروا الإكتفاء بجبروت الدولة وبطشها لفرض الرجاحة الزائفة لذلك القرار، وستر عيوبه!!!.
إنه ولمن المخيف حقاً، أن هذا القرار الذي لم يقرأ ولم يستعن أعضاء فريق التخطيط والتنسيق بمرجعٍ له، ولم يتكبدوا مشقة البحث لاجل صياغته، يتعلق به مصير، وتتحدد به حياة ستة ملايين من البشر، وهم سكان منطقة الجزيرة. إنه قرارٌ لو قيض له النجاح، لكانت محصلته النهائية هي تحقيق هدفين، لا سواهما، "الانتزاع الشامل للأرض"، و"الإقتلاع الكامل من الجذور" لكل اهل المنطقة!!!.
إن نافذي نظام الانقاذ واتباعهم، ومنفذي سياساتهم غير معنيين بالقرارات التي تستند على المعرفة، بل انهم غير معنيين بالمعرفة نفسها، فلذلك هم لا يقرأون ولا يحترمون القانون. فقد حدث من قبل أن قال وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي، وبدون ان يرف له جفن، أن لا علاقة ل "وزارته" بموضوع الارض في الجزيرة، وقد علق رئيس لجنة ملاك الاراضي، السيد احمد النعيم، على ذلك، بما معناه، ان "الوزير" يجهل قانونه الذي اجازه!!!. وذلك، بالتأكيد، تعليقٌ صائب وصحيح، لان المادة (4) الفقرة (5) في الفصل الثاني من القانون سيئ الصيت لسنة 2005م تنص على ان "يكون المشروع تحت رعاية الوزير المختص"، هذا والمادة (3) من الفصل الأول تقول، "الوزير المختص: يقصد به وزير الزراعة والغابات الاتحادي". إن معرفة القانون او الالمام به، بالتأكيد، لا يفيدان شيئاً بالنسبة لشخص، مثل عبد الحليم المتعافي، يعتمد السلطة المطلقة في تعامله مع قضايا الناس!!!.
إن هذه المحاكمة اوضحت حقيقة في غاية الاهمية، وهي أن قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م وبكل سوئه الذي اجمع عليه السودانيون لم يستطع ان يحتوي او يستوعب السوء الذي "يتحلى" به افراد وازلام نظام الإنقاذ. فمضمن سوئهم، تقمص مجلس إدارة مشروع الجزيرة لصلاحيات رئيس الدولة ليقوم بنزع الارض من ملاكها، ضارباً بإختصاصاته، والتي حددها ذات القانون، عرض الحائط. وهي إختصاصاتٌ تصل في جملتها الى سبع عشرة إختصاصاً. وقد تأخذ المرء الدهشه إذا ما علم ان من اميز تلك الاختصاصات التي نصّ عليها ذلك القانون السيئ هو " الحفاظ على اراضي المشروع"!!!. ولكن، على اية حال، حتى تلك نفسها تمثل واحدة من متناقضات ذلك القانون البائس!!!.( راجع المادة 9 تحت الفصل الثالث).
هذا المشهد الذي يجري الآن ويتكشف في مجريات قضية توفيق الاراضي بمحكمة الطعون الإدارية بولاية الجزيرة، والذي يثير المزيج من الغضب والرثاء، لم يكن وقفاً على مجلس إدارة المشروع لوحده، وإنما يندرج تحته راعي النهضة الزراعية نفسه، علي عثمان، عقل الإنقاذ المدبر، الذي اصدر قراراً من قبل، اي في عام 2010م، أقضى فيه بأيلولة إدارة الري بمشروع الجزيرة وتحويل مسئوليتها من وزارة الري إلى إدارة مشروع الجزيرة، وذلك مما يتناقض ومنصوص المادة (18) (1) من قانونهم سيئ الذكر، والتي تنيط مسئولية الري بوزاة الري والموارد المائية!!!.
إنه، وفي حقيقة الأمر لايقف الامر عند حد مجلس إدارة مشروع الجزيرة او النهضة الزراعية براعيها، وإنما كل الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس)، لا ترعى حرمة لقانون، ولو كان سليل عقليتها. لقد رأينا بام اعيننا، ورأى القاصي والداني كيف أن الرأسماليين الطفيليين الاسلاميين (الرطاسيون)، إقتسموا غنائمهم بعد أن إعتدوا بالسطو والنهب على ممتلكات واصول المشروع من سكك حديدية، ووحدات هندسية ومصانع ومحالج ومباني وسرايات وغيرها. فعلوا كل ذلك بالرغم مما نصّ عليه قانونهم السيئ في المادة (28 )، الفقرة (2) من الفصل السادس، بأن "يستمر العمل بمراكز التكلفة بالمشروع لحين خصخصتها".
واضحٌ مما تمّ إرتكابه من جرائم وتخريب للمشروع ماذا تعني الخصخصة بالنسبة للرأسمالية الطفيلية الإسلامية!!!. إنها لا تعني سوى إطلاق اليد والإنفلات والولوغ في الثراء الحرام!!!.
لابد من تأكيد أن أي إدانه لمجلس إدارة مشروع الجزيرة لا تعني المجلس لوحده، وإنما هي إدانة لكامل نظام الإنقاذ، وذلك ليس بسبب عمالة او تواطؤ هذا المجلس مع النظام، وإنما لأن عضوية المجلس نفسه، وبنص القانون تشتمل على ممثلين "للوزارات ذات الصلة"، هذا بالاضافة لحقيقة ان رئيس المجلس معينٌ بواسطة رئيس الجمهورية، ثم ان إتحاد المزارعين ونقابات العاملين كليهما مجيران لصالح السلطة، وراسمالييها!!!.
فلكل هذه الاسباب، وعداها، يجب الإحتفاء بهذا الحكم التاريخي العادل، والذي ما هو إلا خطوة واحدة مضيئة في الطريق الشائك والطويل نحو هزيمة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس)، ومحاسبة كل مجرميها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة مشروع الجزيرة والعودة به لسيرته الأصل.
مشروع الجزيرة في طريق العودة لسيرته الاصل .. بقلم: صديق عبد الهادي
نشر في سودانيل يوم 11 - 02 - 2012
الإستقالات لوحدها ... لا تكفي!!!.
إنه، وفي سعينا الدائب في معالجة قضايا مشروع الجزيرة والعرض لها بهذا الشكل الدائم والمتسع، نحاول ان نوصل للقارئ، إن كان في داخل السودان او خارجه، حقيقة واحدة اساسية، ترتبط بها جملة المسائل الاخرى في شأن هذا المشروع.
إن تلك الحقيقة التي نرمي إليها هى أن مشروع الجزيرة لا يمثل مشروعاً زراعياً فقط، وكما يبدو، وإن كان ذلك صحيحاً أيضاً، وإنما هو وفي حقيقة الامر يمثل ظاهرة كونية، وإنجاز بشري يضاف لجملة الانجازات الانسانية بكل ما يعنيه مفهوم "الانجاز البشري" من معنى. وفي الوقوف على ذلك وللتأكد منه، يمكن للقراء والمهتمين أن يراجعوا الكم الهائل من الأدب الذي كتبه المتخصصون، والاكاديميون، والسياسيون، والعلماء والناشطون، وعلى مستوى العالم، حول هذا المشروع خلال قرن من الزمان، اي منذ ان بدأ التفكير في إنشاء هذا المشروع في عام 1911م.
وهنا لابد من ذكر حقيقة في غاية الاهمية، وهي ان اقلّ الناس تناولاً ودراسةّ وكتابةً حول مشروع الجزيرة هم الاسلاميون السودانيون، ولذلك كانوا هم الافقر معرفة به والاقل إلماماً بجوهره وبعمق دوره، وبسبب ذلك الفقر المعرفي الذي إحتوش عقولهم، كان ضررهم بليغاً بالمشروع وبأهل المشروع وبالسودان عامةً، خاصةً بعد ان اقاموا دولتهم الدكتاتورية الدينية، وبقوة السلاح.
فمشروع الجزيرة لا يمثل ظاهرة كونية لانه اكبر مشروع زراعي في العالم تحت إدارة واحدة، وإنما لأنه وبالإضافة لذلك وكقطاع إنتاجي موّحد، يرتبط بعملياته الانتاجية وبشكل عضوي ومباشر ما يقارب الثلاثة مليون فرد من جملة الستة ملايين من سكان منطقة الجزيرة، والذين هم في مجملهم، اي كل سكان الجزيرة، مرتبطون بشكل غير مباشر بتلك العمليات الانتاجية. ولكن ومن جانب آخر أكثر دقةً فإن كل سكان الجزيرة يعتمدون في حياتهم على المشروع. وهنا، بالطبع، اردنا الاشارة لضرورة التمييز بين الارتباط الفعلي بعمليات الانتاج وبين التوطن او الاستقرار والعيش في منطقة الجزيرة، والذي يشمل كل المواطنيين بما فيهم الأطفال والعجزة ومن يعملون في مهن أخري في مجال خدمات التعليم والصحة والتجارة والمؤسسات القانونية وغيرها من المجالات الخدمية الاخري التي لا علاقة مباشرة لها بالعمليات الانتاجية في المشروع.
إنه وعلى ضوء هذا المفهوم، والذي يتخطى النظرة المبتسرة إلى المشروع بإعتباره كأيٍ من المشاريع الزراعية الاخرى، نرى ان يتم التعامل مع ما جرى في مشروع الجزيرة خلال العقدين الماضيين. إن الخطوة الأولى هي تحديد الجهات المسئولة، وعلى رأسها يأتي أعضاء مجلس إدارة مشروع الجزيرة وأعضاء إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل الذين يجب تقديمهم للمساءلة القانونية، وليست الادارية، ورصد كل ممتلكاتهم والمطالبة بإخضاعها للمراجعة القانونية العادلة، لأن اعضاء هتين المؤسستين، بالنسبة لاهل الجزيرة، إشتركوا وتواطأوا بل واحجموا عن أداء واحدة من مهامهم الاساسية المتمثلة في حماية وصون ممتلكات المزارعين واصول المشروع، والتي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات. ذهبت كل تلك الممتلكات والأصول إن كان عن طريق البيع او النهب والسلب الذي شجع عليه موقف كل من مجلس الادارة وإتحاد المزارعين.
إن مشروع الجزيرة، الآن، في حالة من الإنهيار التام، حيث أنه توقف عملياً عن أداء دوره كمشروع تنموي، وكفّ كذلك عن المساهمة الفعليه في دعم الاقتصاد الوطني.
أما الجهة الثانية، والتي يجب ان تحظى بالإهتمام والرصد، فهي الشركات الخاصة التابعة لنافذي النظام واقربائهم واعوانهم، وعلى رأس تلك الشركات تجئ شركة الهدف، هذه الشركة ذات المهام المزدوجة، الامنية منها اولاً والاقتصادية. اوكل النظام الحاكم لهذه الشركة مهام لا تنطبق في سبيل آدائها ولا ترقى إليه مؤهلات العاملين بها والقائمين على امرها، إذ انهم وفي احسن الاحوال يمكنهم القيام بجمع العوائد والمكوس. ولقد ثبت في التجربة العملية انهم وحتى في ذلك المجال، وبما اذاقوه للمزارعين من بطشٍ وإحتقار، كانوا اسوأ من الباشبذوق والمستعمرين الأتراك الذين ساموا شعب السودان الهوان!!!. ومن ضمن منْ تتبع لهم هذه الشركة الطفيلية نائب رئيس النظام علي عثمان محمد طه.
وثاني تلك الشركات، تأتي شركة "روينا" والتي اصبح لها دورٌ لا ينافس في إدارة عملية الري في مشروع الجزيرة، تلك العملية التي تمثل الركيزة الاساسية والعصب الحي للمشروع، ومن اعمدة هذه الشركة الشريف بدر رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة ورجل النظام النافذ الاول في عموم المنطقة.
وأما الثالثة، فهي الشركة التابعة للاسرة الحاكمة، اي "شركة علي وياسر" وهما ابناء عم الرئيس عمر البشير، وهي معروفة ب "شركة صراصر للخدمات". فقد استولت هذه الشركة على عقارات كبيرة واراضي واسعة تابعة لمشروع الجزيرة، وبدون وجه حق البتة.
فكل هذه الشركات وغيرها، لابد من رصد ممتلكاتها ومعرفة الثابت والمنقول منها وكذلك معرفة اصحاب الاسهم فيها، وتقديمها للمساءلة القانونية والمطالبة بالحجز على ممتلكاتها. فهي شركات مشبوهة وتابعة لجهات لها مصلحة حقيقية في تصفية مشروع الجزيرة، حيث ان تلك الجهات صاغت الاطار القانوني لتصفية المشروع، والمتمثل في قانون سنة 2005م الذميم وسيئ الصيت. وفي أنجاز ذلك، كلنا نعلم، بانها إستعانت بمؤسسات راس المال العالمي التي كانت تترصد بالمشروع ولعقودٍ طويلة.
إن الامر يجب ألا يتوقف عند مجلس إدارة المشروع وإتحاد المزارعين وشركات الراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) وحسب، وإنما من الضروري بمكان ان يشمل الافراد وقادة تنظيمات العمل من أمثال تاج السر عبدون رئيس نقابة العمال في مشروع الجزيرة سابقاً، والرئيس الحالي لاتحاد المعاشيين، الذي شارك في تصفية المشروع بأن قَبِلَ إستلام ومن ثمَّ تملك ممتلكات تخص المزارعين والمشروع، بل انه شارك في مذبحة تشريد العمال الذين كان من المفترض ان يحميهم، وإلى جانبه في فعل ذلك كمال النقر رئيس نقابة العمال الحالي. إن اعوان النظام من أمثال هؤلاء يجب الاتيان بهم لساحة القضاء ايضاً.
بدأتْ الآن بوادر التحايل وذرُّ الرماد في العيون، إذ قام الشريف بدر، رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة، بتقديم إستقالته!!!. غير ان ذلك سوف لن يهيأ له النجاة من الملاحقة والعقاب. فعلى نظام الإنقاذ ان يفعل ما يشاء بخصوص رجاله واعوانه، إن كان من الناحية الادارية أو السياسية، حتى ولو قام بتصفيتهم فإن ذلك لن يكن سوى امر يخص نظام الانقاذ وحزب المؤتمر الوطني، وسوف لن يكن بديلاً، بأي حال من الأحوال، لحكم القانون وردِّ ممتلكات المزارعين واصول المشروع.


حول تقرير لجنة مراجعة الأداء بمشروع الجزيرة
أو
حول كيفية إصلاح الخطأ عند الطغاة.
May.11, 2014
بقلم: صديق عبد الهادي
إن اللجنة المعنية والمشار اليها أعلاه هي آخر لجنة تناولت شأن مشروع الجزيرة. وكان ان عُهِد بامر رئاستها للدكتور تاج السر مصطفى. والذي لمجرد ذكر إسمه يتداعى امام الناظر في “جرائم سلطة الانقاذ”، كل تسلسل الاحداث التي ادت إلى ان يصل فيها الوضع في مشروع الجزيرة إلى ما وصل اليه من إنهيار. ومن البداية وحتى لا “يغيب الاتر في الموية”، فإن لدكتور تاج السر باع وافر فيما وصل اليه المشروع الآن، لان كل ما ورد من معالجات في تقرير لجنته الحالية كان معروفاً لديه منذ ان كتب بقلمه توصيته الذميمة في عام 1998م، اي خصخصة مشروع الجزيرة، وذلك بان يتم تحويله لشركة مساهمة عامة، تعتبر فيها قيمة اصول المشروع هي قيمة اسهم الحكومة في تلك الشركة التي إقترحها!!!. والاصول محل إقتراحه هذا هي في معظمها، وفي الاصل، ملك للمزارعين لانهم دفعوا تكاليفها عبر ثمانيين سنة، وهي عمر المشروع. إن قدراً كبيراً من اصول المشروع لم يكن ملكية عامة كما يروج لها المالكون لانصاف الحقائق، والجاهلون بتاريخ المشروع. وعليه، فمنذها، اي من تاريخ توصيات لجنة دكتور تاج السر الاولى في 1998م، بدأ وضع السياق النظري ومن ثمَّ التسويغ للنهب والاعتداء!!!.
إن مجئ هذه المقدمة وبهذا الشكل امر ضروري وذلك لسببين، الأول هو ان لابد من الفضح والتصدي لثقافة تقييد “الجريمة ضد مجهول”، تلك الثقافة التي ادمن المهنيون السودانيون إمتهانها حتى اضحت تمثل جزءاً اصيلاً في تركيب عقليتهم وفي صياغة سلوكهم. واما السبب الثاني، فهو ألا يُفهم من الوقوف، أي وقوف عدد كبير من المهتمين بمنْ فيهم تحالف المزارعين، عند إيجابيات هذا التقرير على انه خطوة نحو إستدعاء ذلك الشعار البغيض “عفا الله عما سلف”!!!.
فإنه ما اضرَّ بتطور السودان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي غير سيادة ومزاوجة هذين المبدئين، اي “تقييد الجريمة ضد مجهول” و”عفا الله عما سلف” اللذين يتنافى وجودهما مع ابسط قواعد العدل.
من الملاحظات المهمة ان تقرير هذه اللجنة، والتي كونتها السلطة نفسها، لم ير النور ايضاً مثله وبقية تقارير اللجان السابقة، إلا بعد ان قمنا بنشره بعد ان سرّبته لنا إحدى “الايادي الخيٍّرة” قبل عدة اسابيع. فذلك لا يؤكد سوى ان “طاحونة هواء” سلطة الانقاذ تظل تدور في نفس مدارها في تصديها للقضايا الكبرى التي تهم الناس. إذ تعتقد انه بالتضليل وبإطلاق الوعود الكاذبة والتي من ضمنها تكوين اللجان ومن ثمَّ تسفيه جهدها، تعتقد بان ذلك سينطلي على عامة الناس بانه هو الحل!!!. وهذا بالضبط ما فعلته بشأن اشهر تقريرين يخصان مشروع الجزيرة خلال العشر سنوات الماضية، اي بعد تطبيق قانون سنة 2005 سيئ الصيت.
إن “لجنة تقييم الاداء” الاخيرة والتي تكونت بموجب القرار رقم (1) بتايخ 21 فبراير لسنة 2013م والذي اصدره علي عثمان محمد طه، النائب السابق للرئيس، ورئيس ما يسمى بالمجلس الاعلى للنهضة الزراعية، تعتبر من اكبر اللجان في تاريخ المشروع، إذ احتشدت بعددٍ هائل من حاملي الشهادات والخبرات ووصلت عضويتها إلى ثلاثين عضواً، بالاضافة لاربعة أعضاء من خارج اللجنة شاركوا في إجتماعاتها، من ضمنهم ممثل جهاز الامن. ومن بين اعضاء اللجنة الثلاثين، ثلاثة ممثلين للمزارعين والعاملين بالمشروع، وهم رئيس اتحاد مزاعي السودان، ورئيس اتحاد مزاعي الجزيرة والمناقل ورئيس نقابة العاملين بالمشروع. حضروا الاجتماعات الاولى ثم إنقطعوا عن حضور اعمال اللجنة حتى عند صياغة توصياتها وتقريرها الختامي الذي تمّ تسليمه للسلطة في مايو 2013م.
إن غياب ممثلي المزارعين والعاملين بالمشروع له اسبابه بل ودلالاته العميقة، وإلا كيف يُعقل والامر يتعلق بالمشروع الذي يمثلون هم مواطنيه؟!!!. هؤلاء الثلاثة كانوا يعلمون بان اللجنة ستعرض لحالات النهب والتجاوز التي تمت بشأن ممتلكات واصول المشروع من سكك حديدية، هندسة زراعية، محالج، مطاحن، وعقارات من بيوت سرايات وعمارات. وقد كانوا هم شركاء في كل ذلك إن بالفعل المباشر او بالصمت المدفوع وبحسب مناصبهم!!!. وسنعود إلى ذلك لاحقاً.
إنه، ومن الحق ان يقال ان اللجنة بذلت جهداً مقدراً في تقريرها، ولكن.
في تقرير هذه اللجنة لـ”مراجعة الاداء بمشروع الجزيرة” تجاور الثمين والغث، لدرجة انه يصعب احياناً الفصل بينهما. وتلك سمة بحثية مفهومة ليس لدى المتخصصين وحدهم وإنما لاي قارئ، لان التجرد والإلتزام المهني في التقييم تحت رعاية النظم القمعية امرٌ صعب، وليس باقل من “خرط القتاد”، وتلك مهمة لا يستطيع القيام بها وعلى وجهها الأصح إلا منْ “وطِأ قلبه” وإمتلك عقلاً حراً، فما بالك بمنْ تسد عاطفته طريق عقله ويعتقد في طاعة الحاكم ولو كان طاغية!!!. نقول بذلك لانه ما من لجنة حتى الآن تساءلت عن مصير تقريرها الذي انجزته حول المشروع ورفعته للسلطة الحاكمة في السودان!!!، بالرغم من اهمية ما إحتوته تلك التقارير!!!.
جاء تقرير لجنة تاج السر “الثانية” مطوَّلاً، وتوقف عند العديد من القضايا المهمة، واقرَّ بعددٍ من الحقائق، ولكن كل إقرارٍ بحقيقة كان يجهضه إما بالتوضيحات والالحاقات المبهمة، او بدس الإقتراحات التي ما هي إلا إعادة لذات السياسات التي ساهمت في خراب المشروع. كل ذلك يتم بدون إلقاء الضوء على ما كان سابقاً لتطبيق قانون سنة 2005م السيئ الصيت. فمثلاً، اقرتْ اللجنة بقومية وإستراتيجية المشروع، وكذلك بضرورة مسئولية الحكومة عنه وبضرورة وجود المزارعين كمكوِّن اساسي في عملية الانتاج. ولكنها بدلاً من الحديث وبشكل مباشر عن علاقات الانتاج المعروفة التي كانت تحكم العلاقة، والتي يجب ان تكون، بين اطراف المشروع من حكومة ومزارعين وإدارة مشروع، نجد ان اللجنة تلجأ للتغليف والابهام بقولها “وهذا يتطلب وضعاً مؤسسياً يضمن إضطلاع كلٍ بما عليه من واجبات، ويحقق لكلٍ ما له من حقوق”.(النقطة 2 ص7 من التقرير).
إن القضية التي تشير إليها اللجنة، وبهذا الابتسار المخل، هي علاقات الإنتاج، وهي في الاساس تمثل أُسَّ الخلاف، وكل ما دونها مرتبطٌ بها، بل ان مجمل قضايا المشروع متعلقة بها، مثل قضية ملكية الارض، التمويل، الري، الإدارة، والتسويق و إقتسام الارباح…الخ. لأنها، اي قضية علاقات الانتاج، تمثل مسالة في غاية الحساسية لا تقبل السلطة الحاكمة في السودان الاقتراب منها او تناولها بوضوح، لان الهدف من وراء كل ما حدث في مشروع الجزيرة كان هو محاولة للطمس والالغاء الكامل لتلك العلاقات، التي كانت تضمن وضعاً عادلاً للمزارعين وملاك الارض. ولقد سعت السلطة للقيام بذلك الالغاء عن طريق الإحلال والإبدال والإخراج الكامل للمزارعين والملاك من دائرة التاثير في سياسة بل وفي وجود المشروع نفسه. ولكن بالقطع ذلك الهدف لم يتحقق لانه كان هدفاً خيالياً وغير واقعي!!!، كلف، ليس اهل الجزيرة لوحدهم، وإنما عموم السودان كثيراً.
ومن الامثلة الاخرى على إقرار الحقائق ومن ثمَّ دس ذات السياسات المخربة، هو ان اكدت اللجنة على وحدة المشروع بقولها “4. التأكيد على وحدة المشروع….الخ”، ولكنها ألحقتْ ذلك الاقرار بقولها “ويقوم الهيكل الإداري على لا مركزية متدرجة تناسب حجمه وتنوعه وتتطور بتطوره، وتبدأ بقطاعين تحت العضو المنتدب: أحدهما للجزيرة والأخر للمناقل”. وعند هذا المقام وقبل الذهاب بعيداً لابد من تأكيد حقيقة مهمة وهي ان فكرة تقسيم مشروع الجزيرة لقطاعين كانت متداولة في اروقة “مفكري الحركة الاسلامية” منذ اكثر من عقدٍ من الزمان!!!.
إن التوسع البيروقراطي والتمدد الإداري هو في جوهره هزيمة لمبدأ وحدة المشروع، لانه سيرمي بأعباء وإلتزامات جديدة على كاهل المشروع بنفس القدر الذي أُرهقت به ميزانية السودان جراء الصرف على المناصب المركزية ـ اي الفدرالية ـ والولائية وغيرها. وفي هذا الصدد فلنأخذ العبرة بحكومة ولاية الجزيرة والتي يتصرف فيها الوالي ووزراؤه وكأنهم وزراء دولة من حيث سلطاتهم ومخصصاتهم!!!. هذا من الجانب الإقتصادي، واما من الجانب السياسي، فالأمر المقصود هو الفت في عضد وحدة مزارعي الجزيرة والمناقل، لأن فكرة قطاعين ستتبعها فكرة تنظيمين او إتحادين إحداهما لمزارعي إمتداد المناقل وأخرى لمزارعي الجزيرة “الأصل” بل وسيكونان على غرار “نقابة المنشاة”، التي تضم المدير إلى جانب الخفير والموظف والعامل!!!. أي مثلما ان يكون بروفيسور إبراهيم غندور رئيساً لاتحاد العمال!!!.
لم تشر اللجنة، والتي يرأسها منْ من رأسه خرجتْ فكرة خصخصة المشروع، لم تشرْ لا من بعيد ولا من قريب وبشكل مباشر لمفهوم الخصخصة، ولكنها حاولتْ دس السم في الدسم عن طريق “الإلتواء” و”اللولوة”. فلقد اوردت اللجنة، تحت بند “في المجال الزراعي” في ص 9، ما نصه، “تشجيع المزارعين على تجميع النمر والحواشات المتجاورة لتكوين مزارع كبيرة يشاركون فيها المستثمرين لزراعة المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية وعمليات ما بعد الحصاد والتصنيع”.
فقط للقارئ أن يتصور، بالقراءة الفاحصة لهذا النص، ما المقصود إن لم يكن فتح الباب للمستثمرين المحليين والاجاتب ومن ثمَّ التمهيد للخصخصة؟!!!. كل ذلك من الممكن ان يقوم به المزارع لوحده وفي ارضه لو كانت هناك سياسية تمويلية صحيحية وفرتها الدولة وبسعر فائدة غير ربوية كما فعل المستعمر حينما انشأ المشروع، ومن بعده الحكومات الوطنية، إذ كان سعر الفائدة لم يتعد 6%!!!.
إن ما قال به تحالف المزارعين حول ان تقرير هذه اللجنة قد تضمن 80% مما كان يقول به ويطالب به، هو قولٌ صحيح. ولكن كل الأقرارات المتوافقة مع ما قال به التحالف، جاءت في صلب التقرير “ملغومة” بإقتراح سياسات ناسفة ومدمرة لإمكانية معالجة الاخطاء والجرائم التي تمَّ إرتكابها بحق المشروع، ولسوف تقعد بجهود النهوض بالمشروع!!!. وهنا يكمن وجه إختلافنا مع تقييم قيادة التحالف لما جاء في تقرير لجنة دكتور تاج السر “الثانية”.
لقد وضح بالفحص والتمحيص الدقيق لفكر الحركة الاسلامية فيما يتعلق بالاقتصاد، وكما وضح كذلك بالتجربة انها، اي الحركة الاسلامية، لم تكن تملك اي تصور لادارة او تطوير المرافق الاقتصادية الوطنية، لانه حتى تجربتها في القطاعات المالية مثل البنوك وشركات التمويل كانت تسود فيها عقلية السمسرة. ولكنها كانت تعمل، ومما لاشك فيه، من اجل تحقيق هدف واحد هو “إنجاز التمكين”، والذي بدوره سيعضد السلطة، فلذلك ولفقرها الفكري إستعانت بالبنك الدولي، وبعد تقديم كافة التنازلات المذلة، لوضع السياسة والقانون اللذان سيمكنان رأسماليتها الطفيلية من الاستيلاء على مشروع الجزيرة، وذلك بالسعي لتطبيق مبدأ الخصخصة.
هذه محاولة لتقييد الجريمة ضد مجهول/
إن واحدة من إيجابيات هذا التقرير انه يكاد ان يكون لامس كل قضايا المشروع، ولكنه في نفس الوقت لم يمض في إستكمال طرح الحلول حتى النهاية، ففي كثير من الاحيان يظهر التردد والانكماش بل والعدول عن إتخاذ موقف واضح، وفي ذلك نضرب مثلاً بموقف لجنة التقرير من قضية او جريمة الاعتداء على اصول المشروع وسرقتها في وضح النهار. اوصت اللجنة بتكوين لجنة قانونية للتحقيق في التجاوزات والمخالفات، وهذا امر حسن، بالرغم من انها لم تطالب صراحةً، وكما تفعل اللجان عادةً، بضروة تقديم منْ قاموا بالإعتداء على هذه الممتلكات للمحاكم وسوح العدالة لأجل المساءلة القانونية. وليتها آثرت الإكتفاء بتكوين تلك اللجنة وبالصمت عن تلك المطالبة، ولكن الأدهى انها، أي لجنة دكتور تاج السر، كانت حريصة على صون حقوق أولئك الذين تحصلوا ووضعوا يدهم على بعض اصول وممتلكات المشروع عن طريق ما اسمته بـ”الطرق القانونية”. على كل عاقل ان يتصور ان هذه اللجنة تعتقد بأن إستلام وشراء الممتلكات المسروقة هو “مسلك قانوني” يترتب عليه حق يجب صونه بالقانون!!!، إذ اوردت وبالحرف الواحد، “وتثبت حقوق الجهات والاشخاص الذين آلت إليهم بعض الأصول بطرق قانونية” (التقرير ص 10)، نعم، أي والله، هذا ما تراه لجنة دكتور تاج السر “الثانية”!!!. إذن فإذا كان الامر كذلك فلماذا تطالبون بتكوين لجنة قانونية؟!!!. وذلك تساؤل بدهي قد يقول به الشخص العادي!!!.
إن العلة من وراء كل ذلك التخليط والتشويش والمزج بين “الغث والثمين” واضحة، وهي انه معلوم للعامة من الناس، دعك من خاصتهم، ان منْ تلوثتْ ايديهم بجريمة الإعتداء على ممتلكات مشروع الجزيرة هم اعوان النظام الحالي، ممثلين في أعضاء حزب المؤتمر الوطني وقيادات نقابة العاملين وإتحاد المزارعين. وحتى لا يكون إلقاء “الإتهام” جزافاً فللنظر لنقابة العاملين ولامر العقارات التي آلت لقياداتها، وكذلك لإتحاد المزارعين ولامر الممتلكات التي ألت إلى قياداته حتى بعد ان تمَّ حلُه، وكذلك الاصول التي إنتهت إلى حيازاتهم !!!.
إن اعضاء اللجنة، وخاصةً رئيسها، يعلمون بأن جهات عليا ومؤسسات راسمالية طفيلية إسلامية عديدة متورطة في جرائم نهب اصول مشروع الجزيرة، وعلى رأسها مؤسسة “جياد” المشبوهة. فلقد كانت، ومن بين جملة جهات، هي المقصودة بنص “ثبيت حقوق المشترين الجدد” الذي إبتدعته لجنة دكتور تاج السر، كما ورد أعلاه.
غاب عباس عبد الباقي الترابي، رئيس إتحاد مزارعي الجزية والمناقل، وبلال عوض الله محمد، رئيس إتحاد مزارعي السودان، وكمال محمد محمود النقر، ممثل نقابة العاملين بمشوع الجزيرة عن إجتماعات هذه اللجنة، لانهم كانوا يتوقعون إثارة جرائم الإعتداء على اموال واصول المشروع وممتلكات المزارعين داخل إجتماعات اللجنة، ومن ثمَّ طرحها في المداولات بقدر حجمها وفظاعتها، إلا ان ذلك لم يحدث!!!. فلو انهم كانو يعلمون بأن دكتور تاج السر سيصون “حق منْ إستلم المال المسروق”، لما كان غابوا!!!. انهم وبحق قد اضاعوا فرصة تاريخية لخلع رداء الشبهة، لان اللجنة بالفعل أخذت الخطوة الأولى في “تقييد الجريمة ضد مجهول”!!!.
إنه، ومن الجهة المقابلة، نجد إن تقرير لجنة اخرى سابقة، وهي لجنة بروفسير عبد الله عبد السلام، في شأن الموقف تجاه هذه القضية الكبرى، كان اكثر وضوحاً وأمانةً وشجاعةً، إذ اورد “فرأينا كيف بيعت قاطرات عاملة (بنظام طن الحديد الخردة؟) فتم تدمير مرفق حيوي هام يصعب إعادته ثانية، فأعقب هذا سرقة منظمة ونهب لكل مقتنيات سكك حديد الجزيرة والآن البلاغات بالمئات. إنها النهاية المؤلمة والمأساوية” (تقرير مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح، ص 18). بل انه، اي نفس التقرير، كان اكثر تحديداً حين أشار باصابع المسئولية ودون مواربة، قائلاً، “اللجنة تحمل إدارة المشروع قبل وبعد صدور قانون 2005م المسئولية التامة عما وصل اليه المشروع من حالة متردية وهذا بالطبع لا يعفي الادارة التنفيذية بأي حال من الاحوال، ونحسب ان إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل يتحمل عظم المسئولية فيما حدث”. (تقرير مشروع الجزيرة الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح، ص 38).
لا نود إجراء مقارنة، ولكن حين النظر لتقريري اللجنتين نجد ان لجنة بروفسير عبد الله عبد السلام كانت اكثر رصانة وعلمية من لجنة دكتور تاج السر مصطفى، وفي هذا المقام فقط يكفي القارئ قدر ودقة الإحصائيات التي إعتنت بها اللجنة الاولى في حين انه، اي غياب الاحصاءات ودقتها، كان يمثل اميز سمات ضعف تقرير لجنة دكتور تاج السر. وقد يكون واحداً من الاسباب التي تكمن من وراء الفرق بين اللجنتين، ان كل اعضاء اللجنة الاولى كان ان ارتبطوا بالمشروع وعملوا فيه وفي مناصب مهنية قيادية، ولذلك جاءت كتابتهم ، إن اتفقنا او إختلفنا، بهذا المستوى المختلف لان المشروع كان يمثل جزءاً من تاريخهم الشخصي ، ولانه من جهة ثانية يشكل جزءاً من وجدانهم بإعتبار انهم من ابناء المنطقة وإنحدروا من أسر فلاحية. إنهم، وبالرغم من ارتباطهم بالنظام، والذي لا يخف على احد، لقد كانوا أمينين في تقريرهم ذلك.
إنه، وكما ورد سابقاً ان القيام بمهمة التقييم، وفي ظل النظم الديكتاتورية، تصبح مهمة صعبة. والاصعب فيها هو محاولة خلق توازن، وبكل السبل، بين ما هو موضوعي وحقيقي وبين ما من شأنه أن يرضي النظام الديكتاتوري ورغباته، او على الاقل محاولة تمرير أخطائه، وضمان عدم محاسبته، كل ذلك يتم من تحت غطاءٍ كثيف من التبرير “البائس” الذي لا يحتقر عقول الناس وحسب، وإنما ينطوي في نفس الوقت على إنتقاص كبير بحق وبقدر منْ يقوم بمهمة ذلك التقييم من المهنيين والاختصاصيين. أي كمثل منْ هم في مقام أعضاء لجنة دكتور تاج السر مصطفى الحالية، الذين جاء في تقريرهم من التخليط والتشويش والتناقض في سبيل الوصول إلى توفيقٍ مستحيلٍ، ما يثير الرثاء بحق!!!.
توصلت اللجنة إلى ضرورة إلغاء قانون سنة 2005م، وأكدت قناعتها بذلك عدة مرات، “عليه ترى اللجنة إلغاء هذا القانون، إستبداله بقانون يحقق مخرجات الرؤى المستقبلية”(التقرير، ص 11). أو مثلما اشارت كذلك إلى انه، “ومن ثمَّ فالمقترح ان يُلغى قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م” (التقرير، ص12). ولكن كل ذلك جاءت به اللجنة بعد مرورها بما يشبه حال منْ يغالب النـزع الاخير. وهي، كأنما بها، حيث اوردت في موقعٍ آخر، تعتذر عن هذا الموقف من قانون سنة 2005م، سيئ الصيت، إذ تقول “ثالثاً: معظم أحكام قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م فُسِّرتْ وطُبَّقتْ بطريقة معيبة أدت إلى تدهور في البني التحتية وضياع الأصول وتراجع نظم الانتاج فأحبط معنويات المزارعين، وهذه الاحكام لا تستوعب الإصلاحات والمعالجات في الرؤى المستقبلية المطروحة”. (التقرير، ص 12).
فعلى القارئ ان يتأمل!!!.
هذا يعني، إذا كان بشكل مباشر او ضمني، ان مطالبة اللجنة بإلغاء قانون سنة 2005م، جاءتْ ليس لعيبٍ فيه وإنما لعيبٍ في طرق تطبيقه!!!.(كذا)!!!. بالطبع، هذا تبرير مشين ليس فيه إحترام لعقول الناس. ولكن في حقيقة الامر، وبالقراءة المتأنية، نجد ان اللجنة سعتْ، وتسعى للحفاظ على اسوأ ما في قانون سنة 2005م، اي الإبقاء على جوهره. وذلك بمداراتها لجذوة الخصخصة، لكي تظل متقدة تحت ركام المقترحات، ودسها بين نصوص المعالجات الملتوية. إذ تقول اللجنة، “وأن يخوّل المزارع التصرف بتحويل الحيازة أو إيجارها أو رهنها لأغراض تمويل عمليات الانتاج وفق ضوابط تحددها لائحة تراعي التجارب السابقة في مشاركة المزارعين وفق التسلسل الهرمي لتنظيماتهم في إصدار قرار التصرف في الحواشة بتحويل الحيازة من مزارع لآخر.” (التقرير ص 10). وهنا لنا ان نتساءل، اولم تكن فكرة “تحويل الحيازة والرهن لاغراض التمويل” هي حجر الزاوية لقانون سنة 2005م، اولم تكن تلك الأفكار هي اضافة قانون سنة 2005م الكبرى في تاريخ القوانيين التي حكمتْ مشروع الجزيرة منذ إنشائه؟، اولم يكنْ هدف الخصخصة هو الهدف الذي من أجله تمَّ توظيف مجمل مواد قانون سنة 2005م لاجل تسويغه وإنجازه؟!!!.
دعنا الآن نكون اكثر دقةً في تشريح كافة المسألة. إن قانون سنة 2005م تمت صياغته وبذلك الشكل لأجل تهيئة مناخ لسيادة الفوضى في المشروع، لتقوم شركات الخدمات المتكاملة، تحت غطاء مشاركة القطاع الخاص، ولتقوم ايضاً البنوك تحت دعاوي القروض، بمهمة القضاء على المشروع وإنتزاع ملكيته من اهله بعد وقوعهم تحت طائلة العجز في رد القروض، والإعسار!!!. لاحظ مقترح اللجنة بإنشاء “صندوق للتمويل والتسويق الزراعي”، والذي ما هو إلا فكرة رديفة لـ”محفظة البنوك” التي اوقعت بالمزارعين في شبكة القروض والتمويل الجائر. فلقد كان ان وصل سعر الفائدة التي طبقتها البنوك على قروض المزارعين في مشروع الجزيرة إلى 54%!!!، (راجع دراسات تحالف المزارعين). إنه، وحتى هذه اللحظة، إن كان في وقت إصدار قانون سنة 2005م او الآن في وقت مقترح “صندوق الجزيرة للتمويل”، لم يتكرم أي احدٍ، قطْ، بتقديم نقد واضح لتجربة التمويل السابقة في مسيرة المشروع، والتي كانت بمشاركة وزارة المالية وبنك السودان المركزي، حيث كان سعر الفائدة لا يتجاوز 6%!!!. نقول بذلك لان اللجنة في تقريرها اقرت بإيجابية الكثير من تجارب المشروع السابقة ونادت بعودتها، مثل تجربة مجالس الانتاج، الهيكل الإداري من تفاتيش واقسام وغيرها، الهندسة الزراعية، البحوث الزراعية، إدارة المياه والري، …الخ. لم تعرض اللجنة لتجارب التمويل السابقة لانها تعلم تماماً، وكذلك تعلم كل القوى التي تسعى للانقضاض على المشروع، ان وضع و”تصميم” كيفية التمويل هو الطريق الوحيد والانجح لضمان خصخصة المشروع.
إنه من المهم جداً القول بأن مشروع الجزيرة لا يقع في دولة أخرى، وإنما في السودان الذي تصيب الفوضى كل جوانبه، بعد ان اصبحت المؤسسات فيه تقوم بمهام لا علاقة لها بطبيعتها. وفي هذا الصدد فإن البنوك التي تعمل في ظل النظام الإسلاموى الربوي الحالي في السودان، هي ليست مؤسسات تمويلية ذات طبيعة إقتصادية، وإنما هي مؤسسات سياسية لا علاقة لها بتقاليد العمل المصرفي، إذ انها اصبحت ادوات سياسية لتنفيذ أهداف ما أصبح يُعرف الآن بـ”التمكين” في تاريخ الأقتصاد السياسي للسودان!!!. فإن كانت هناك علاقة واحدة للبنوك الموجودة في السودان بالتمويل، فإنها اضحت اقرب لمفهوم “صناديق الختة” في عُرفنا الشعبي، ولكن للاسلاميين فقط، وما تجربة بنك امدرمان الوطني ببعيدة!!!.
فلذلك عندما تذكر اللجنة تحت بند “دعاوي إنشاء الصندوق”:
“ج. صعوبة تعامل جمهور المزارعين مع النظام المصرفي لعدم مقدرتهم على الوفاء بمتطلباته”. فإنها تقول قولاً غير صحيح، لأن الكل يعلم ان ما تشير اليه اللجنة بـ”عدم مقدرة المزارعين على الوفاء” ما هو إلا نتيجة، وحيث يقفز السؤال، وما السبب؟.
إن السبب معروف، وهو ان التمويل الذي كانت تقوم به البنوك الاسلامية للعمليات الزراعية في مشروع الجزيرة هو تمويل ربوي وفوق طاقة المزارعين، ولا يخضع لقوانيين واعراف التمويل المتواضع عليها عالمياً!!!. فالمزارعون في الجزيرة يوقعون على عقود تمويل “بيضاء” ولا تُكَمل معلوماتها إلا بعد الحصا

راشد فضل بابكر

عدد المساهمات : 52
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 12/03/2015
العمر : 65

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع الجزيرة  - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار Empty مشروع الجزيرة بين القرارات و الدراسات و أراء الخبراء

مُساهمة  راشد فضل بابكر الأحد 16 أغسطس 2015 - 16:35

الكاتب: صديق عبد الهادي
مشروع الجزيرة، إستعادته ليست خياراً، وإنما ضرورة
الأربعاء, 04 ديسمبر 2013 23:06
الحلقة (1)
تناول الناس في الفترة الماضية، وفي حقيقة الامر ما زالوا يتناولون، عدداً من القضايا المهمة بشأن مشروع الجزيرة والمزارعين فيه. بدءاً بالوثيقة "الجريمة" التي يُطلب فيها من المزارع التوقيع مخولاً بذلك طوعاً إدارة المشروع الحق في ان تنزع أرضه إن عجز هو عن سداد الديون، مروراً بمحنة العطش التي تضرب مساحات واسعة من المشروع، وإنتهاءاً بفضيحة التقاوي الفاسدة، او بالأحرى جريمة التقاوي الفاسدة!!!.
لا شك في ان المهمومين بامر المشروع، خاصةً قواه الحية من مزارعين وعاملين وعمال زراعيين ومنظمات مجتمع مدني على راسها تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، حينما يثيرون هذه القضايا ويطرحونها على الرأي العام فذلك ليس عشماً في ان تقوم سلطة الراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) بالتصدي العادل لها والعمل على حلها، وإنما يثيرونها لسببين اساسيين، الأول هو التوثيق لهذه الجرائم، وعلى رؤوس الأشهاد، ومن ثم إضافتها إلى ذلك السجل الطويل لجرائم السلطة في حق المشروع وفي حق أهله. أما السبب الثاني وهو الأهم، تجديد الدعوة للسودانيين عامة وأهل الجزيرة على وجه الخصوص لتدارك وضع المشروع الذي اصبح على حافة الهاوية، حيث ان كل جريمة جديدة ترتكبها السلطة وسدنتها في حقة لا تمثل سوى خطوة نحو الإقتراب به نحو تلك الهاوية.
وقبل الذهاب في إلقاء الضوء على جريمتي "التوقيع لاجل التخلي عن الأرض" و "التقاوي الفاسدة"، لابد من التأكيد لأولئك الذين يشيرون لاهل الجزيرة، إن كان بطيبة خاطر أو بمكرٍ دفين، بانه بالإمكان إنصلاح حال المشروع بالتواصل مع هذه السلطة الباغية، لابد من التأكيد لهم بان أهل الجزيرة ليسوا بتلك الغشامة بعد أن عملت سلطة الانقاذ سكينها، ليس في المشروع وحسب، وإنما في رقابهم من الوريد إلى الوريد. فاولئك "المتفائلون" لابد لهم أن يعلموا، إن كانوا يصدرون عن صدقٍ او غفلة، بأنه ومن الناحية الإقتصادية لم يبق من مقومات هذا المشروع سوى مقومين أثنين فقط لا ثالث لهما، وهما الناس والأرض، وسلطة الإنقاذ تسعى جاهدةً للقضاء على الناس بالإنقضاض على الأرض، لأن البنيات الأساسية للمشروع ذهبتْ. وقد ذهبت، كما هو معلوم، ليس أدراج الرياح وإنما تجاه التمكين الذي طبقته الرأسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) بإمتياز ونهم!!!، وكذلك، على المنوال نفسه، ذهبتْ الخبرات التي كانت هي عماداً من اعمدة المشروع. وإذ بذهابها المدوي إنهدَّ أساس الخدمة المدنية والمهنية فيه، وإنطمست معالمها للحد الذي اصبح فيه شخصٌ واحد، مثل المتعافي، يجمع بين منصبي "وزير الزراعة" و "رئيس مجلس إدارة المشروع" في واحدة من السوابق النادرة في مسيرة مشروع الجزيرة، حيث انه وصى على نفسه بنفسه لاحتلال منصب رئيس مجلس الادارة، وبالطبع بناءاً على قانون سنة 2005م الذي اورد في الفصل الثالث، المعنون بـ "مجلس الإدارة ما نصه: "6 (1) يشكل المجلس من رئيس واربعة عشر عضواً بقرار من رئيس الجمهورية بناء على توصية من الوزير المختص".
والوزير المختص حسب القانون هو وزير الزراعة!!!. اي بمعنى ان السيد المتعافي الوزير يوصي على تعيين السيد المتعافي ليكون رئيساً لمجلس إدارة المشروع!!!. والغريب في الامر ان قانونهم سيئ الصيت نفسه ينص في المادة 6 (2) قائلاً "لايجوز الجمع بين منصبي رئيس مجلس الادارة والمدير العام". والعبرة من عدم هذا الجواز هو الا يتم الخلط و الجمع بين السلطات او تركيزها في يد واحدة، لان ذلك سيسقط شرط اساس من شروط الرقابة وتحديد المسئولية، وبالتالي مما يؤثر على ممارسة الشفافية. فما بالك أن يكون الوزير نفسه رئيساً لمجلس الادارة؟!!!.
هكذا وصل إنهيار البناء الإداري في مشروع الجزيرة إلى هذا الحد. وقد لايصدق المرء، بتاتاً، بان هذا الهرم كان على قمته يوماً ما افذاذ من امثال السيد مكي عباس، والعلامة السيد مامون بحيري وآخرون. وهم، ومما لاشك فيه، أفذاذ ليسوا من حيث الخبرة وحدها، وإنما من جهة الإستقامة المهنية والنزاهة ونظافة اليد أيضاً.
....يتبع.......

(*)نُشُرَ بالتزامن مع جريدتي "الأيام" و"الميدان"، في الخرطوم

دراسة لتحديد بعض العوامل المؤثرة في أزمة الزراعة بمشروع الجزيرة والمناقل
May.11, 2014
الأستاذ حسبو إبراهيم محمد

مقدمة :

هـذه الورقة عبارة عن محاولة متواضعة لتجميع وتحديد بعض العوامل المؤثرة وذات الصلة بمسار علاقات الإنتاج بمشروع الجزيرة حيث تأتي إنطلاقاً من قناعتنا الذاتية بضرورة الأخذ بمبدأ الدراسة العلمية في وضع الخطط والبرامج لتطوير الإنتاج الزراعي بمشروع الجزيرة والمناقل ورفع معدلاته والذي أصبح بداهة إتجاه إختطته كافة مشاريع التنمية الجادة والمستدامة في سبيل البحث من أجل زراعة حدثية ومتطورة ,ولذا نري أن محاولة إصلاح مشروع الجزيرة وإعادة تأهيله تحتاج إلي إعداد التفاصيل الدقيقة وتحتاج إلي مسح شامل لإمكانيات المشروع المادية والفنية والبشرية , وتحتاج أيضاً لدراسة الأرض ودرجات خصوبتها ولدراسة المتغيرات الظروف الطبيعية والمناخية التي تحيط بالمشروع وإعداد الإحصائيات والإرقام والمقارنات التي تشير الي إنتاجية الفدان وتكاليفه في السنوات الماضية وتحتاج لمسح القوى العاملة وتحتاج في المرتبة الأولي لتحديد مراحل مختلفة وتنفيذ كل ذلك حتي يتحول إلي إنجازات ملموسة علي أرض الواقع الزراعي وتطور تفاصيل العمليات الإنتاجية من القضايا التي تعتمد في الأساس إلي مجهودات الخبراء الإقتصاديين وعلماء البحوث الزراعية والري ووقاية المحاصيل الزراعية ومكافحة الآفات. إيضاً نري ضرورة تكوين جهاز للبرمجة ووضع الخطط الزراعية وهو ما أصبح أمراً هاما وملحاً للخروج من دائرة النبح العشوائي في المسألة الزراعية وأن عبره من الممكن أن يساعد في وضع نظام دقيق للمراقبة والتنفيذ .

الهدف العام لعمليات الإصلاح الزراعي وما ينبغي أن تكون عليه :

في كل محاولة لعملية إصلاح زراعي من المهم بتصورنا أن يتم تحديد المحور الأساسي الذي تدور حوله خطة محاولة الإصلاح وأن تتجه كل التفاصيل العملية صوب هذا الهدف العام لتصب في مجراه العريض . ولكن قد يطرح التساؤل عن ما هو هذا المحور الأساسي ؟ وفي نظرنا أن المحور هو وضع المزيد من الإصلاحات والإستثمارات في المشروع عن طريق إستخدام أحدث منجزات العلم والتقنية المتطورة في التكنيك الزراعي وإدخال التحسينات في طرق وسبل الزراعة الحديثة للوصول للنتائج المرجوة ؛ وهي الوصول إلي أقصي حد من المنتجات الزراعية لواقع الفدان الواحد وبأقل التكاليف ؛ أو بتعبير الإقتصاديين الزراعيين التوسع الرأسي في الإنتاجية في كل المحاصيل بغير زيادة في مساحة الأرض . وأن يتم ذلك في ظل أقل حد ممكن من التكاليف بواقع الفدان الواحد. ومن الضروري أخذ هذه المسألة بالإعتبار في الإتجاه العام للعملية الزراعية لأنها تشكل حجر الزاوية لتطوير مشروع الجزيرة والمناقل وإعادة تأهيله وتنميته بشكل مستدام ولتصب هذه الزاوية كما أشرنا وحددنا في الإتجاه العام للتطوير المنشود في المشروع .
نهدف إلي زيادة إنتاجية الفدان لكافة المحاصيل وبالأساس محصول القطن الذي فصل مشروع الجزيرة من أجله وهذا من الممكن علمياً مضاعفة إنتاجية القطن بالإستفادة من البحوث الروسية التي أجريت في هذا الشأن لجعل متوسط إنتاجية الفدان الواحد من القطن تقفز من المتوسط الحالي (4_5) فدان إلي حوالي (7_Cool قنطار . وتطبيق نتائج الأبحاث التي أجريت لنظام( السـراب الطويل) بهدف توفير الأرض التي تضيع في جراء شق الجداول و(التقـانت) والتي في العادة تصل لحوالي 12% من إجمالي المساحات المزروعة حاليا وهي عبارة عن 2 مليون ومائتي ألف فدان .
كذلك تطبيق نتائج آخر نتائج الأبحاث الزراعية والدراسات في مجال مكافحة الآفات والأبادة الكيماوية للحشائش والتسميد عن طريق وسبل العمل الآلي عوضـاً عن الذي يعرض المزارعين لخطر الأمراض الفتاكة والميكنة التامة لزراعة وحصاد الفول السوداني و محصولي القمح والذرة وكل العمليات الزراعية القطن ماعدا (اللقيط ). وكذلك الأهتمام بزراعة الخضروات كالطماطم والبصل وغيرها بهدف التصنيع الزراعي والسعي لإيجاد أسواق خارجية ترفع من قيمتها وتجعلها منافساً قويا في خارج السودان . ونري أيضاُ أنه آن الآوان للإهتمام بزراعات الفاكهة والشروع في إنشاء مزارع نموذجية للموالح والخضروات والإستفادة أيضاُ من الدراسات والبحوث ذات القيمة المنجزة في هذا المضمار وذلك مبدئياُ بأنشاء أربعة مصانع لتصنيع وتعليب الطماطم والبصل بالحد الأدني . وأيضاً ألا يهمل مجال الثروة الحيوانية المرتبط بالمشروع وذلك بإنفاذ مشروعات مصاحبة تعني بتوفير الخدمات البيطرية و تحسين سلالات الأبقار والضأن والماعز عبر السبل والطرق العلمية لتهجين السلالات وتوفير الأعلاف الرخيصة ذلك مع إعطاء إعتبارات لمساحات الأراضي اللازمة لزراعة الأعلاف في خطط التكثيف الزراعي وتطويرطرق لحفط الإعلاف بوسائل علمية وحديثة . وكذلك إعطاء الأهتمام بمجالات تربية الدواجن وتعميمها علي نطاقات واسعة بأقسام المشروع وأيضا إستنباط بذور جديدة ومحسنة لصفات المحاصيل المزروعة الآن والعمل علي إكتشاف محاصيل نقدية جديدة وهذا يعني السير بإتجاه( تنويع التركيبة المحصولية) .
في مجال حوافزالإنتاج بمشروع الجزيرةوالمناقل :
لضرورة تحفيز المنتجين بمشروع الجزيرة نري أن يجب تحديد متوسط الإنتاج لكل (غُـره ) مزروعة قطناً في المشروع لمدة عشرة سنوات في فترة ما قبل نظام الإنقاذ ؛ ولكل مزراع ينتج أعلي من متوسط لعشر سنوات يمنح ما يزيد علي هذا حافزاً له كمنتج مثالي ولكل مزارع ينتج دون متوسط (الغُـرة ) تخصم منه الدولة نصيبها علي أساس متوسط محسوب للغرة للسنوات العشرة المشار إليها . وهذا في سبيل إدخال سياسة الحوافز المعنوية والتشجيعية ومن نتائج ذلك أن يظل الحد الأدني لدخل الدولة ثابتاً وأن يرتفع دخل المزارع الذي ينتج أعلي من المتوسط من دخله بطريقة المحاسبة التي أشرنا إليها في صدر هذه الورقة وفي ذات الوقت يقل دخل المزارع الذي تقل إنتاجيته عن المتوسط بطريقة المحاسبة القديمة التي كان معمولاُ بها في ظل ما عرف (بالحساب المشترك) ونتيجتها العامة هي تشجيع المزارع المنتج فوق المتوسط وطريقة عادلة لعقاب المزارع الذي يتنج دون المتوسط وهذا أيضاً من شأنه أن يدفع للإرتفاع بمعدلات الإنتاج المتصاعد عاماٌ تلو الآخر .
وكذلك لأبد من توسيع البحوث الزراعية ونقل التجارب التي تجريها إلي الحقل مباشرة وذلك عن طريق قطاع الإرشاد الزراعي والمرشدين الزراعيين ونقل السلطات الإدراية إلي لجان الإنتاج في (التفاتيش) والأقسام ومجالس إنتاج القري وأيضا تكوين لجان تابعة لمجلس الإنتاج تشرف علي العمليات الآتية وهي : (أ) المحاريث (ب) الفنارك(ج) سكة حديد مشروع الجزيرة (د) المشتروات والمبيعات( هـ) ورش الصيانة والترحيل . وهذا تجدر الإشارة بأن كل ما ذكرت من أصول قد تم نهبها وبيعها من قبل زبانية نظام الإنقاذ ونؤكد تصميمنا القوى علي إستعادة كل ما سرق بواسطة نظام الإنقاذ لأن بدون إسترجاع هذه الأصول لا يمكن أن يتم تأهيل مشروع الجزيرة والمناقل .
وفي مجال التصنيع الزراعي لابد من الإهتمام بصناعة المبيدات و صناعة الأسمدة وصناعة الخيش والدبارة ونتقترح الأتي
1_ أن يقام أسطول من لطائرات الرش يتبع لأدارة المشروع يؤدي خدماته للمزارعين بسعر التكلفة الأساسية .
2_أن يحدث توسع مدروس في مجال صناعة الغزل والنسيج يهدف لخلق سوق محلي لجزء من قطن مشروع الجزيرة طويل التيلة وإقامة قشارات حديثة تخصص لتقشير وتنقية الفول السوداني وفرزه وعصره حتي يتم إعداده كمنتج مصنع وجاهز للبيع في الأسواق الإقليمية والعالمية .
ومن جهة ثانية نري أن علي الدولة أن تشتري المحاصيل من المزارعين علي أساس الدفع نقداً وفق الأسعار العالمية في تاريخ الحصاد وذلك عبر هيئة حكومية دورها ينحصر في شراء المحاصيل من المزراع فقط مثل محصولي القطن والفول السوداني كمحاصيل نقدية تتولي بيعها في الأسواق العالمية بدلاً عن شركة الأقطان التي بتقديرنا فشلت فشلاً زيعاُ وتحولت إلي مافيا تخصصت في سرقة ونهب مجهود وعرق المزراعين .

في مجال الخدمات الإجتماعية بمشروع الجزيرة والمناقل :
أولاً : من المهم والضروري جداً إستعادة قيادة إتحاد المزراعين من (العصابة) الحالية إلي سيرته الأولي كمصلحة مستقلة مهتمها خدمة سكان القطاع المروي في الجـزيرة والمناقـل وفي مقدمة ذلك لا بد أن تقوم الخدمات الإجتماعية بإستكمال تخطيط القري وتجميع القري الصغيرة بعضاً لبعض وتوفير الخدمات الصحية وتأهيل المراكز الصحية والمشافي الريفية وتوفير مياه الشرب النقية عبر حفر المزيد من الآبار الجوفية الجديدة و القيام بصيانة الآبار الموجودة حالياً , وكذلك لأبد مراعاة أوضاع التعليم بتأهيل المدارس وتعميمها بقري المشروع في المرحلتين الأساس والثانوي وضرورة مجانية التعليم الفعلية في هاتين المرحلتين وخـاصة لأبناء فقراء المزارعين والعمال الزراعـيين . كما نهدف لإدخـال الكهرباء لجميع قري الجزيـرة والمناقـل ومع ذلك لابد من تأهيل كادر فني من أبناء الجزيرة عبر فتح معاهد تعليم فنية ومهنية ومراكز للتدريب المهني والإستفادة من البعثات والمنح الخارجية حيث كانت تخصص في السابق منح لمشروع الجزيرة بغرض التأهيل في مختلف المجالات.
علاقات الإنتاج وتوزيع العوائد السابقة و الحالية بمشروع الجزيرة والمناقل :
في هذا المجال ينبغي أن تراجع بدقة وبدراسات موضوعية علاقات الإنتاج التي كانت قائمة في السابق ومالها وما عليها من إيجابيات وسلبيات وهنا نركز علي علاقة الحساب المشترك لتطوير الجوانب الإيجابية في هذه العلاقة والتعرف علي جوانبها السلبية ومحاولة تلافي عدم إنتاجها في المستقبل حيث تعكس هذا النمط من العلاقة الذي كان قائماً ومعمولاً به في السابق أهمية شراكة الدولـة والمزارعـين والتي تتطلب الأوضاع الحالية إرجاعها حيث إتسمت تلك العلاقة المميزة بسمة القطاع العام والتكافل الإجتماعي , ومن المعروف بداهة أن علاقـة الحساب المشترك والتي كانت تضم الشركاء الثلاثة في العملية الزراعية وهم (الدولـة _ المـزارع _ الإدارة) قـد إلغيت في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم بموجب قرارات جعفر نميري رئيس النظام المايوي البائد لتحل محلها علاقـة الحساب الفـردي المعمول بها حتي الآن . وكانت علاقـة الحساب المشترك بين الشركاء الثلاثة المذكورين أنه بعد خصم تكلفة الحساب المشترك يتم توزيع هامش الفـائدة علي أساس (50%) للمزارعـين يخصم منها مال إحتياطي للمزارعين وبذلك يتبقي لهم (48%) و للدولـة (50%) يخصم منها ما نسبته(2%) للخدمات و (2%) أخري تخصم للحكم المحلي فيتبقي للدولة ما نسبته (46%) . ولكن نري أن تخصص ميزانية مناسبة للإدارة وليس عن طريق تحديد نسبة مئوية محددة كما في السابق في ظل الحساب المشترك .
وفي صعيد آخر نري ضرورة لتكـوين لجنة تجمع بين الإدارة وإتحاد المزارعيين وأن تكون مهمتها الأساسية هي تأهيل مشروع الجزيرة وتأهيل إسترجاع أصوله تلك الأصول المعروفة بوسائل الإنتاج الزراعي وتشكل أذرع المشروع الصلدة والفعالة وتهدف لتحقيق أو الإقتراب من جوهر الإصلاح الزراعي الجذري الذي ظللنا نعمل من أجله ونحلم به . وفوق هذا من الجلّي أن القطاع التعاوني يمثل أهم ركيزة من ركائز التنمية المستدامة في المشروع ولذا نري من الأهمية بمكان أن يعطي هذا المجال أهمية كافية بوضع خطط واضحة تستصحب كل نماذج التجارب السابقة مدركين بأن علينا أن نقف و نتحمل المسئولية التاريخية كاملة تجاه ممارسـات الفساد الكبيرة التي تمت علي أيدي مزراعي الجزيرو والمناقـل أنفسهم في عهدهـم الذهبي من خلال الخلافات والصراعات صاحبت نشاط وحراك الجمعية التعاونية و المثارة و المفتعلة من قبل القوى المعادية لفكرة التعاون ومبادئه من الأساس التي والذي كانت إحدي نتائجه أن عصفت بتجربة الحركة التعاونية برمتها علي الرغم من إنجازاتها ونجاحاتها الهائلة بعد أن لعبت دوراً مدمراً ومأساوياً في بنية حركة التعاون وهكذا عاث تجار وسماسرة العمل العام خراباً وفساداً وإمتدت أيدي زبانية نظام الإنقاذ وأنصاره من الطفيليين بالسرقـة والنهـب المباشر وغير المباشر لممتلكات قطاع التعاون حتي تم القضاء عليها تماماً وأصبحت في يوم كثير الغيوم نسياٌ منسياٌ , بيد أن ذات القطاع الذي نتحدث عنه كان قد شيد مجموعة مقدرة من مصانع الأنتاج الزراعي تتمثل بعض إسهاماته في مصنع غلال كبرو ومصنع الأعلاف المركزة ومصنع الألبان ومصنع قشر الفول ومصنع النسيج هذا غير العربات التي قدمها للمزارعين نذكر منها ( 12 عربة ) بحالة ممتازة وأسطولاً نادراً من الجرارات الزراعية لذا يصبح من الأهمية بمكان ونحن نراجع قضايا التعاون ومايعتريه من علل ومتاعب كثيرة لابد من إخضاع هذه الأمراض لعملية جراحة قاسية حتي نخلصه من أورام الفساد السرطانية التي قضت علي الأخضر واليابس في مشروعنا المفتري عليه وبهذا وحده نستطيع أن نضع أرجلنا علي أرضية ثابتة لحركة تعاونية جديدة في المشروع .
هذا ولكي نكمل لوحة البرنامج الذي إبتدرناه في صدر هذه الورقة لابد من أن نتناول قضية تعليم الكبار ضمن مجال التوعية الإجتماعية ونهدف من ذلك الإهتمام بقطاع الحكم المحلي وتدريب الجماهير علي الممارسة الديمقراطية في هذا المجال الحيوي والمرتبط بمشاكل الناس في الحياة اليومية ويكون ذلك متماشياً مع معطيات الظروف الجديدة وإتجاهات وشعارات التحول الديمقراطي خـاصة في أوساط مجالس إنتاج القري حتي تقوم بدورها كاملاً .

دورالأبحاث الزراعية في تطويرمشروع الجـزيرة والمناقـل :
من المعلوم مدي أهمية دور البحوث الزراعية في تطور الزراعـة الحديثة التي تقوم علي معطيات ما توصل إليه العلم في الحزم التقنية والمكننة الزراعية وغيرها من المجالات المتعلقة بمجالات الزراعة المختلفة ولكن من الملاحظ عدم إعطاء الإهتمام من الدولة بمرفق هام مثل البحوث الزراعية ونقول ذلك بناءاً علي دراسة جديدة أشارت بوضوح لتضاؤل نمو إعداد الباحثين الزراعيين بمؤسسات الدولة البحثية في قطاع الزراعـة وأن أعداد الباحثين قد تقلصت في خلال عقد التسعينيات إلي نحو (2%) مقارنة بنحو (8%) لمتوسط الثلاثة عقود الماضية وفي ذات الوقت أشارت لحدوث تدهور مضطرد في التمويل الذي يخصص للبحوث الزراعية بمعدل (3%) سنوياً خلال الثلاثين عاماً الماضية حيث نقص التمويل بمقدر الثلثين فيما بين السبعينيات وأواسط التسعينيات مما تسبب في نقصان وعجر كبيرين في ميزانية الباحث الزراعي , والتي مثلت في عام 2000 فقط نصف ميزانية الباحث الزراعي . وهكذا ظلت هيئة البحوث الزراعية تعاني من الضمور وتدهور في المبالغ المدفوعة لتسيير البحوث الزراعية بمعدل وصل نحو 20% من جملة الميزانية المصدقة في السنوات الأخيرة والتي مثلت بدورها نحو 30% من الميزانية المقررة بالفعل ، أي أن الإنفاق الحقيقي لم يتعدي 9_ 10 % من الميزانية المقررة أصلاُ علي الرغم من شحها وبالرغم من الإختناقات الحادة في مجال البحوث الزراعية ومدي التدهور الكبير في البنيات الأساسية , إلا أنه وبالرغم من كل هذا مازالت محطة البحوث الزراعية وما تمتاز به من وجود هيئة رئاسة البحوث الزراعية بقربها بالإضافة لوجود مركزين بحثيين هامين هما بحوث الأراضي والمياه وبحوث وقاية المحاصيل تمتلك إمكانيات كبيرة من الكوادر المؤهلة لأن تدفع بالعمل البحثي خطوات كبيرة ومتقدمة متي ماتوفرت لها الميزانيات التي تعينها علي أداء مهامها .

قطاع الري في مشروع الجزيرة والمناقل :
هذا القطاع يعد أساسياً ومحورياٌ في مشروع الجزيرة والمناقل والتدهور الحادث الآن فيه مازال يهدد مشروع الجزيرة بالمزيد من الخراب والدمار , ولكي تتضح وتكتمل الصورة الجلية لماحدث في مشروع الحزيرة والمناقل تجدر الأشارة بأن قطاع الري بالمشروع ظل يقوم بتشغيل شبكة الري الإنسيابي في المشروع منذ تشييد خزان سنار العام 1925 وحتي العام 1999 وفقاً لما للاتي : كانت وزارة الري مسؤليتها تتجسد في تشغييل القنوات الرئيسية وصيانة الخزان والقنوات الفرعية وصيانة ( الميجورات ) أما إدارة مشروع الجزيرة فكانت مسؤليتها تتجسد في تشغييل وصيانة القنوات الفرعية (أبو عشرينات ) أما المزراعون فمسؤليتهم كانت توصيل كميات المياه اللازمة للحقول (الحواشات ) بعد فتح الجداول والتقانت الضرورية لإنسياب المياه . وقد ظل هذا النظام يعمل بكفاءة نسبية حتي العام 1975 م حيث فرضت فيما بعد متطلبات التكثيف الزراعي أعباء إضافية كبيرة علي نظام الري المذكور . ومن المعروف أن مشروع الجزيرة صمم أساساً لأنتاج محصول واحد وهو محصول القطن حيث يتم الري في نصف المساحة في أي وقت من الأوقات وقد أقتضي هذا الأمر إدخال محاصيل القمح والفول والخضروات والتوسع في زراعة الذرة وبذلك يتم إلغاء التخزين الليلي للماء في القنوات ولذا أصبح من غير الممكن ري أي نمرة في (7 أيام) للحفاظ علي فترة ري إلي (14يوم ) المنتظمة , وإنما أصبح الري يتطلب (10) أيام علي الأقل بينما صارت فترة الري تمتد إلي أكثر من 20 يوماً . وعندما تحول المشروع في العام ( م )من نظام علاقة الحساب المشترك إلي نظام علاقة الحساب الفردي أصبح مفروضا علي المزراع دفع رسوم علي مياه الري ومن هنا نشأت التعقيدات التي عصفت فيما بعد بكفاءة نظام الري التي كانت ملموسة لعدم توفير التمويل اللازم من الدولة لعمليات التشغيل والصيانة . وأكثر من هذا زاد الوضع سوءاً علي سوءٌ تبني نظام الإنقاذ في العام 1992م لسياسة التحرير الإقتصادي وفرضه للسوق الحر حيث لم تعد الدولة معنية بتوفير بتوفير مدخلات الإنتاج بالمشروع وأصبحت السلفيات التي كانت تمنح للمزارعين في السابق ماعادت تعين علي علي مواجهة تلك الإحتياجات وأصبح لزاماً علي المزارع أن يواجهها لوحده إما عبر الإقتراض من البنوك التجارية وبشروطها المجحفة وأرباحها وفوائدها الخرافية أو اللجوء الي الخيار الثاني للتمويل وهي مصادر المزارعين الشحيحة أو التي تبقت لهم بعد أن طالهم وعصف بهم الفقر المدقع من جراء سياسات التحرير الخرافية .
ومما ضاعف أيضاٌ من تدهور نظام الري بمشروع الجزيرة والمناقل تدني العوائد من رسوم المياه من جراء ضعف إنتاجية المحاصيل وإرتفاع تكاليف الإنتاج وعدم قدرة المزراعين علي حل هذا المشكل خاصة بعد رفع الحكومة يدها تماما عن أي نوع المساهمات في علميات الإنتاج الزراعي وتحولت إلي مجرد جابي للضرائب همها الأول والأخير هو تحصيل الرسوم من المزارعين ,وفي هذا السياق نذكر أن إدراة مشروع الجزيرة قد إبتدعت بدعة جديدة لما أسمته بتحفيز مفتشي التفاتيش وذلك بإعطاءهم نسبة مئوية مقدرة من حاصل الجبايات من المزارعين من رسوم وضرائب وبهذه الصفة الجديدة قد تحول مفتش الإدارة من وظيفته الأخيرة كمرشـد زراعي إلي مجرد جابي للرسوم والضرائب وشتان مابين وظيفته كمرشدٍ زراعي ومهمة جمع الضرائب ،ولم تقف الأمر علي ذلك فمن أجل جمع أكبر قدر من الضرائب من المزارعين إستعانوا بوحدات جهاز الأمن لتقوم بإذلال وإرهاب المزارعين وبذلك تحولت إدراة المشروع من إدراة زراعية مهمتها تطورير الإنتاج إلي إدارة بوليسية كمهمتها الأولي والأخيرة قمع وإرهاب المزارعين و إشهار البنادق في وجوههم المعروقـة وهكذا تدهورت العلاقة بين المزارع والإدارة في ظل سياسات نظام الإنقاذ المعادية لجماهير المزراعين التي أدت كذلك فيما أدت لتوتر العلاقات مع كافة العاملين بمشروع الجزيرة والمناقل.


البرلمان يجيز التعديلات و(تحالف المزارعين) يتمسك بإلغائه و(الاتحاد) يدافع
النيلين 2014/12/10

عاد الجدل حول قانون مشروع (الجزيرة والمناقل) للعام 2005 من جديد، حيث أعلن تحالف المزارعين عن عزمه مناهضة القانون والسعي لإسقاطه في الفترة المقبلة، ويأتي حديث التحالف عقب إجازة البرلمان بعض التعديلات في فترة السمات العامة، ويعزو كثير من المزارعين انهيار المشروع إلى تطبيق القانون المثير، حيث بسببه تم بيع كل ممتلكات المشروع من (سرايات) و(مكاتب) بلغت في مجملها (6) آلاف غير تراجع الإنتاج وتقلص المساحات المزروعة إلى (40%) من جملة أراضي المشروع البالغة أكثر من مليوني فدان.
وخطى البرلمان أمس الأول خطوات مهمة نحو القانون بإجازته لبعض التعديلات في مرحلة السمات العامة، تمثلت في إلغاء منصب (المدير العام) وحل محله (المحافظ) الذي سيعين بواسطة رئيس الجمهورية بناءً على توصية الوزير المختص، بجانب إلغاء عبارة (رابطة مستخدمي المياه) وحلت محلها (تنظيمات المزارعين)، بينما عدلت المادتان (4) (2) المتعلقتان بملكية المشروع لتحديد هوية المشروع والتفكير مستقبلاً في جواز فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار فيه، فضلاً عن تعديل المادة (6) المتعلقة بمجلس الإدارة لتوسيع تمثيل العضوية، والمادة (9) الخاصة باختصاصات مجلس الإدارة لتجنب تداخل الاختصاصات، وإلغاء المادة (19) الخاصة بروابط مستخدمي المياه لإلغاء تلك الروابط وعدد من التعديلات الأخرى
وتأتي التعديلات عقب تواصل الهجوم على القانون كان آخره من البرلماني “حسب الرسول الشامي” حيث وصف القانون بالمعيب، مشيراً لعدم (إنجاز ولو 1% من أهدافه)، وأقر بأن الجهات التي أجازته لم تستشر فيه أو تجمع عليه، مؤكداً تسببه في تدمير المشروع وانهياره حتى النهاية.
وحمَّل “الشامي” اتحادات المزارعين مسؤولية الأمر، متهماً إياها بارتكاب مخالفات بإقصاء الاتحادات الصغيرة لاستلام المشروع وإدارته، وقال: (والله إذا لم نجز التعديلات نكون ما أدينا دورنا والقسم بإصلاح البلد).
وسبق أن هاجم والي الجزيرة السابق “الزبير بشير طه” بعنف قانون مشروع الجزيرة 2005، لفشله في زيادة الإنتاج والإنتاجية وتوفير الأمن الغذائي بالسودان، وأكد أن مواطني ولاية الجزيرة اكتووا بنار المعيشة جراء السياسات التجريبية حول المشروع، وقال “إن مزارعي الجزيرة ليسوا فئران تجارب”.
ويعتبر اتحاد مزارعي ولاية الجزيرة من أبرز المدافعين عن القانون، حيث يرى رئيسه “عباس الترابي” إن القانون كان سبباً في زيادة الإنتاج بالمشروع، مشيراً إلى الهدف الأساسي للقانون وأن المزارع يزرع محصولاً يتعاظم فيه ربحه وقد حصل في السنوات الأخيرة ومكنه من أداء دوره نحو أسرته ونحو تطبيق العملية الزراعية بالطريقة العلمية حتى نصل للإنتاجية الرأسية.
وكانت لجنة تقييم وتقويم الأداء بـ(مشروع الجزيرة) برئاسة “تاج السر مصطفى” قد طالبت في تقرير سلمته لرئاسة الجمهورية مطلع العام الحالي بتقديم المتورطين في نهب وسرقة أصول المشروع للمحاسبة الإدارية والمحاكمة القضائية، لكن الحكومة لم تحرك ساكناً. كما عملت الحكومة والبرلمان على إجازة قانون مشروع الجزيرة للعام 2005 دون الالتفات للكثير من الأصوات التي اعترضت عليه.
ويقول المزارع “حسبو محمد إبراهيم” إن قانون 2005 جاء قاصمة ظهر للمشروع وذلك عندما سمح للمزارعين بالبيع والرهن والتنازل عن أراضيهم مما فتح الباب واسعاً أمام المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات بشراء أراضي المزارعين وخصخصة المشروع وبذلك يتحقق حلم (البنك الدولي) وتحويل المزارعين إلى أجراء بدلاً عن شركاء على حد قوله.
ويشير المزارع “حسبو” إلى أن القانون من حيث التاريخ بدأ الإعداد له منذ نهاية التسعينيات باعتماده على تقارير اللجان التي كونت وقتها، فرغم صدوره عام 2005 إلا أن الطريقة التي أجيز بها لا تختلف كثيراً عن تلك التي تمت بها إجازة قوانين مشروع (الجزيرة والمناقل).
فيما يزعم تحالف المزارعين المناهض بشدة للقانون أنه تسبب في تشريد أكثر من (25) موظفاً كانوا يعلمون في إدارة المشروع ولم يتبقى سوى (12) موظفاً فقط يفتقدون للخبرات، ويحمل التحالف القانون تشريد وتصفية كل العاملين بالهيكلة التي بدأت منذ إعلان خصخصة المشروع وتواصلت حتى قانون 2005 حتى أصبح عدد العملين أقل من (3%).
ويرى “عاصم كنون” القيادي بالتحالف ان قانون 2005 خصص لتحقيق حلم الرأسمالية الطفيلية و(البنك الدولي)، مشيراً إلى إن القانون غيَّر صيغة التمويل من ضمان الإنتاج إلى ضمان الأرض بغرض الاستيلاء على أرض المشروع بعد أن فشلت كل صيغ البنوك في الحصول على الأرض باعتبار أن الأرض ملكية منفعة وليس من حق المزارع بيع جزء منها، لهذا فتح سوق الأرض استناداً إلى قانون 2005 المادة (16) والمادة (17) والتي تلزم المزارع المالك ملك منفعة بسداد قيمة الأرض حتى تسجل له (الحواشة).
ردود الأفعال حول نتائج تطبيق القانون جاءت كلها متفقة على ضرورة إعادة النظر حوله، حيث أوصى رد المزارعين على تقرير لجنة دكتور “تاج السر” بمعالجة الآثار السالبة التي نتجت عن تطبيق الجديد وذلك بتعديل المواد التي تسببت في ذلك، وأكد أنهم في التحالف سيعملون على إلغاء قانون 2005 ومحاسبة كل الذين ساهموا في تخريبه، منوهاً إلى أن القانون سيئ الذكر قد فتح الباب واسعاً أمام الرأسمالية لتمارس أقصى وأبشع أشكال الفساد والنهب والتخريب لتدمر أكبر مشروع للري الانسيابي في العالم، ولفت “عاصم كنون” إلى أن لجنتين كونتهما الحكومة (لجنة د. عبد السلام ولجنة د، تاج السر) أوصتا بإلغاء القانون، وشن “عاصم” هجوماً لاذعاً على القانون، وقال إنه أكمل الناقصة في هندسة خراب عالية التقنية وتقنين الفساد وحمايته وتغيير التركيبة المحصولية ونظم الري والنظم الإدارية والمحاسبية، فكان الأثر الكبير إصابة المزارع بالإحباط واليأس مما أثر على روح وأداء عمله وبه اختلت كل العملية الزراعية.
وكان قد أوصى تقرير دكتور “تاج السر” في الصفحة (13) بإلغاء القانون، حيث ورد ( أن مواد القانون أحكاماً ونصاً ومعنى ستكون عائقاً لتنفيذ الرؤى المستقبلية) وعليه ترى الجنة إلغاء هذا القانون واستبداله بقانون يحقق مخرجات الرؤى المستقبلية.
المجهر السياسي

أراضي مشروع الجزيرة بين الملكيّة والحيازة والنزع
الكاتب: د. سلمان محمد أحمد سلمان
الأربعاء, 10 ديسمبر 2014 18:24

برزت قضية مشروع الجزيرة إلى قمّة الأحداث في الأسابيع الماضية مرّةً ثانية إثر استقالة الدكتور كرار عبادي من رئاسة مجلس إدارة المشروع، ثم تصريحات السيد رئيس الجمهورية عن فشل المشروع منذ الستينيات، وماتلى ذلك من ردود فعلٍ من عدّة جهات.
وقد سبق هذه الأحداث صدور تقرير لجنة الدكتور تاج السر مصطفى، والذى سار على هدي لجنة الدكتور عبد الله عبد السلام. وقد أثار التقريران مسألة تصفية وبيع ممتلكات المشروع الأساسية والتي تتمثّل مقوماتها في أربعة مراكز خدمات هي: الورش الهندسية، المحالج، السكة حديد، والاتصالات. وطالب التقريران بتحديد الأفراد والجهات المسئولة عن ذلك ومحاسبتها.
وقد جاء قرار تصفية هذه المراكز وبيعها بعد إنهاء خدمات مهندسي وموظفي وعمال المشروع الذين بلغ عددهم في قمة سنوات عطاء المشروع أكثر من عشرة ألف. وقد حلّ محلهم عددٌ من المتعاقدين لا يتجاوز عددهم الثلاثمائة شخص.
في تلك الأثناء كانت بنية الري التحتيّة الضخمة والتي تتكّون من شبكة ريٍّ إجماليةٍ طولها حوالي 150,680 كيلومتر قد تآكلت وأصابها الإنهاك بسبب تراكم الطمي الآتي من الهضبة الإثيوبية، والفشل في التعامل معه. وقد كانت شبكة الري مبنيّةً في الأساس على الري الانسيابي الرخيص الذي ميّز المشروع. ونتيجةً لإنهيار شبكة الري فقد لجأ المزارعون القادرون إلى الري الصناعي المكلّف لرفع وتوصيل المياه إلى الحواشات، بينما أصاب العطش أجزاء كبيرة من المشروع.
عليه فقد تمّت تصفية مراكز الخدمات الأربعة، وانهارت بنية الري التحتية، ولم يتبقَّ من مشروع الجزيرة غير الأراضي. فمن يملك هذه الأراضي؟ وهل سيصيبها ما أصاب أصول المشروع الأخرى؟ سوف نحاول في هذا المقال الإجابة على هذين السؤالين.
2
بدأت تجربة زراعة القطن في بداية فترة الحكم الثنائي في منطقة الزيداب بشمال السودان. وبعد فشل التجربة هناك حاولت إدارة الحكم الثنائي زراعة القطن في منطقة القاش وطوكر بشرق السودان، ولكن لم يُكتب النجاح لتلك التجربة أيضاً. وفي عام 1910 اتجهت أنظار إدارة الحكم الثنائي نحو الجزيرة. بدأت التجربة بواسطة شركة السودان الزراعية وذلك بزراعة 250 فدان في منطقة طيبة في منطقة الجزيرة. وقد أدّى نجاح هذه التجربة إلى زيادة تدريجية في الرقعة الممنوحة من الأرض لشركة السودان الزراعية. وقد تضافرت عوامل كثيرة في نجاح التجربة، ومن ثَمَّ ميلاد وتطوّر مشروع الجزيرة. وأهم هذه العوامل هي:
(1) وقوع منطقة الجزيرة بين النيلين الأزرق والأبيض ساعد وأدّى إلى بناء السدود وتنظيم وتوسيع عملية الرّي بالمشروع من النيل الأزرق.
(2) طبيعة الأرض المنبسطة أوضح أن مشروع الجزيرة المقترح يمكن ريّه عن طريق الرّي الانسيابي الطبيعي، وتأكّد أن تكلفة عملية الرّي ستكون قليلةً جداً مقارنةً بالرّي الصناعي.
(3) مساحة الأرض الواقعة بين النيلين كبيرة، وقد مكّن هذا من التوسّع في رقعة الأرض التي يمكن ريّها وإضافتها إلى الأراضي التي تقع تحت إدارة المشروع.
كانت هذه العوامل هي الأسباب الرئيسية لبدء ونجاح مشروع الجزيرة. بالطبع تضافرت عوامل أخرى على نجاح التجربة منها خصوبة التربة والتي قلّلت من الاعتماد على السماد والمخصّبات. بالإضافة إلى ذلك فإن طبيعة التربة وتماسكها قلّلا من تسرب المياه وساعدا على بقائها لري القطن. كما أنه كانت للسكان هناك خبرةٌ حيث مارس معظمهم الزراعة المطريّة. ثم إن موقع الجزيرة في وسط السودان سهّل من هجرة مزارعين آخرين وكذلك عمال موسميين إليها. كما سهّل أيضاً الوصول إليها من الخرطوم، ونقل القطن منها إلى بورتسودان ومن هناك بحراً إلى مصانع الغزل والنسيج في لانكشير، ولاحقاً اليابان والصين وسويسرا. لكنّ هذه كانت عوامل ثانوية مكمّلةً للعوامل الثلاثة الرئيسية.
3
بعد أن استقرت الأمور لإدارة الحكم الثنائي، بدأت في تسوية وتسجيل الأراضي التي استطاع مستعملوها إثبات ملكيتها أو حيازتها لفترةٍ طويلة من الزمن. وجدت الإدارة أن جزءاً كبيراً من الأراضي التي سيقوم عليها مشروع الجزيرة هي ملكٌ حر لبعض الأفراد. ولكن، وبعد عدّة مداولات، قرّرت الإدارة ألّا تنزع هذه الأراضي من أصحابها للصالح العام وتعوّضهم كما يقر القانون. بل رأت أن تقوم بإيجار هذه الأراضي الملك الحر إيجاراً قسرياً من أصحابها (سواء رضوا أم أبوا)، وضمّها للأراضي الحكومية لتصبح كلُ تلك الأراضي الرقعةَ المروية المعروفة باسم مشروع الجزيرة، وتحت إدارةٍ واحدة، كما سنناقش لاحقاً.
4
بعد النجاح غير المسبوق، وغير المتوقّع، توسّعت مساحة مشروع الجزيرة تدريجياً عبر السنوات كلآتي:
1911 زادت المساحة من 250 فدان إلى 600 فدان
1912 صارت المساحة 1,200 فدان
1913 صارت المساحة 5,000 فدان
1925 وصلت المساحة إلى 220,000 فدان
1929 صارت المساحة 400,000 فدان
1931 صارت المساحة 525,000 فدان
1953 وصلت المساحة إلى مليون فدان
1965 وصلت المساحة إلى مليون وثمانمائة ألف فدان
1983 وصلت المساحة إلى مليوني فدان
2008 وصلت المساحة إلى 2,200,000 فدان.
5
يُلاحظ أن مساحة مشروع الجزيرة وصلت في الأربعين عاماً الأولى من عمره تحت الإدارة البريطانية إلى مليون فدان. ثم زادت المساحة إلى مليون وثمانمائة ألف فدان بعد اكتمال امتداد المناقل الذي بدأ التخطيط له خلال الحقبة الاستعمارية. كما يجب ملاحظة أن مساحة المشروع زادت خلال الحقب الوطنية منذ عام 1965 وحتى اليوم بأربعمائة ألف فدان فقط، لتصل بالمشروع إلى مساحته الحالية والتي هي 2,2 مليون فدان.
وقد جعلت هذه المساحة المشروع أكبر مشروعٍ زراعي في العالم تحت إدارة واحدة. كما أن المشروع كان أكبر مزرعة قطن في العالم حتى صدور قانون عام 2005 والذي قام بإدخال مبدأ حرية اختيار المحاصيل، وأنهى إلزامية زراعة القطن. وكان الري في المشروع من أرخص أنواع الري وأكثرها كفاءةً بسبب الانسياب الطبيعي، إلى أن انتهت هذه الميزة الإيجابية الكبيرة بسبب الفشل في التعامل مع كمية الطمي الضخمة الآتية من الهضبة الإثيوبية خلال العشرين عاماً الأخيرة. وقد وصلت استخدامات مشروع الجزيرة من المياه إلى أكثر من ثمانية مليار متر مكعب، تمثّل 40% من نصيب السودان من مياه النيل بمقتضى اتفاقية عام 1959، وأكثر من 65% من استخدامات السودان الحقيقية.
6
نعود بعد هذه المقدمة التاريخية إلى سؤالنا الرئيسي الأول: من هو المالك لأراضي مشروع الجزيرة؟
كما ذكرنا أعلاه، فقد تكوّنت بعض أراضي المشروع من الأرض التي يملكها بعض الأشخاص ملكاً حر. وتبلغ مساحة هذه الأراضي 900,000 فدان، تمثّل حوالي 40% من المساحة الكليّة للمشروع البالغة 2,200,000 فدان. ويقع حوالي 410,000 فدان من هذه المساحة في مشروع الجزيرة الأصلي، بينما يقع 490,000 في امتداد المناقل.
ويعتبر الجزء المتبقّي من مساحة المشروع، وهو 1,300,000 فدان، أراضي حكومية. وهي تمثّل حوالي 60% من مساحة المشروع الكليّة. لكن لا بد من إضافة أن الزراع ظلّوا يزرعونها ويدفعون عليها إيجاراً منذ بداية المشروع في عام 1925، أو منذ ضمّ الرقعة المعنيّة من الأرض إلى المشروع، وحتى اليوم.
7
كما ذكرنا أعلاه، فقد قامت إدارة الحكم الثنائي بإيجار الأراضي الملك الحر إيجاراً قسرياً من أصحابها وضمّها للأراضي الحكومية لتكوّن مشروع الجزيرة. وقد اتخذت الإدارة ذلك القرار لعدّة أسباب، منها:
أولاً: الخوف أن يؤدّي نزع هذه الأراضي إلى اضطراباتٍ وثورات من الأهالي الذين قد يرفضون قرار النزع . وقد كانت ثورة ود حبوبة القريبة تاريخياً وجغرافياً حاضرةً بأذهان صناع القرار وقتها.
ثانياً: الخوف ألّا تنجح زراعة القطن، والتي هي الأساس الذي قام عليه المشروع. فإدارة الحكم الثنائي كانت في حالة تجارب لكل مشاريعها وبرامجها في السودان لأنها لم ترث شيئاً من الدولة المهدية لتبني عليه.
ثالثاً: التكلفة العالية للتعويضات التي كانت ستُدفع لملاك الأراضي في حالة نزع هذه الأراضي. وكانت الحكومة قد قامت بنزع بعض الأراضي لإقامة المباني والقنوات ودفعت تعويضاً وقدره جنيهاً واحداً عن كل فدانٍ من تلك الأراضي. وكانت إدارة الحكم الثنائي في السودان قد نجحت بعد مفاوضاتٍ معقّدة ومطوّلة في الحصول على قرضٍ من الحكومة البريطانية وقدره ثلاثة مليون جنيه استرليني لبناء خزان سنار، وأصبح لزاماً عليها أن تبحث عن بقية تكلفة المشروع من موارد أخرى.
لهذه الأسباب تقرّر أن يتم تأجير الأراضي الملك الحر من ملاكها إيجاراً قسريّاً بواقع عشرة قروش، أي ريال، للفدان الواحد في العام. ومن ثمّ تضاف تلك الأراضي إلى الأراضي الحكومية، ويتمّ تأجير هذه الأراضي كلها في شكل حواشات للمزارعين حتى ولو كانوا ملاكاً (حوالي 20 فدان للحواشة). على إثر ذلك صدر قانون "أراضي الجزيرة لعام 1927" من أجل تقنين وتنظيم إيجار الأراضي الملك الحر للحكومة. وقد صدر ذلك القانون بعد أقل من عامين من الافتتاح الرسمي لمشروع الجزيرة في 15 يوليو عام 1925. وقد كانت فترة الإيجار لمدة 40 عاماً، بدأت في عام 1927، وانتهت في عام 1967.
8
نتج عن ذلك الوضع تقسيم ملاك الأراضي في منطقة المشروع إلى ثلاث مجموعات:
أولاً: مُلّاك رقع الأراضي الصغيرة الذين قرّروا العمل بالزراعة: تمّ الإيجار القسري لتلك الرقع الصغيرة من الأراضي من ملاكها، وتمّ إعطاء أولئك الأشخاص أراضي مماثلة في المساحة أو أكبر بموجب عقد إيجار آخر مع إدارة مشروع الجزيرة. بمعنى آخر فقد دخل هؤلاء الملاك في عقدين مع إدارة المشروع: (1)عقد إيجار قسري لأراضيهم للمشروع مُنِحوا بمقتضاه ريالاً عن كل فدان، (2) وعقد لاستئجار حواشة من إدارة المشروع دفعوا بمقتضاه مبلغاً أصغر، هو قيمة الإيجار السنوي. وتمّ تضمين ذلك المبلغ في تكلفة الإنتاج السنوية التي يتمُّ خصمها من عائد القطن لكل مزارع، مع التكلفات الأخرى.
ثانيا: مُلّاك رقع الأراضي الكبيرة الذين قرّروا العمل بالزراعة: تمّ الإيجار القسري لكل تلك الأراضي من أصحابها، ومُنِحوا أراضي أقل منها مساحةً (20 إلى 40 فدان) بموجب عقد الإيجار، ومُنِحوا أيضاً إيجاراً (مقداره أيضاً ريال) عن كل فدانٍ تم إيجاره قسرياً منهم. ودفعوا بالمقابل أيضاً إيجاراً سنوياً عن الحواشات التي مُنِحتْ لهم، كما شرحنا أعلاه في "أولاً."
ثالثاً: مُلّاك الأراضي (سواءٌ كانت صغيرة أم كبيرة) الذين قرّروا عدم العمل بالزراعة: تمّ الإيجار القسري لكل أراضيهم ومُنِحوا إيجاراً سنوياً قدره ريال عن كل فدانٍ تم إيجاره منهم.
9
انتهى عقد الإيجار القسري في شهر مارس عام 1967. وقد قامت إدارة المشروع بتنبيه حكومة السيد الصادق المهدي التي كانت وقتها في السلطة في الخرطوم بالوضع الناتج عن انتهاء عقد الإيجار القسري. غير أن تلك الحكومة سقطت في شهر مايو قبل أن تفعل شيئاً، وعاد السيد محمد أحمد محجوب رئيساً للوزارة في شهر مايو عام 1967. ومثل حكومة السيد الصادق المهدي، لم تقم حكومة السيد محمد أحمد محجوب بأي عمل، أو اتخاذ أي قرار، في مسألة أراضي الملك الحر في مشروع الجزيرة. ثم جاء انقلاب مايو عام 1969، وتغيّرت الأوضاع السياسية والاقتصادية بمقتضاه بصورةٍ جذرية، وبدأت قضية ملاك الأراضي في مشروع الجزيرة في التعقيد.
بعد انتهاء عقد الإيجار لأراضي الملك الحر في عام 1967 بدأ بعض الملاك، وهم ورثةٌ في غالبيتهم، بالمطالبة بإعادة أراضيهم إليهم، في حين طالب آخرون منهم بزيادة الإيجار ليواكب الأسعار وقتها. غير أنه لم يُتخذْ أيُّ قرار في أيٍّ من الطلبين، كما ذكرنا أعلاه.
في بداية السبعينيات بدأ الملاك في رفض استلام الـ 10 قروش، وهي قيمة الإيجار عن كل فدان، كما تم الاتفاق عليها عام 1927. طالب هؤلاء الملاك بتعديل الـ 10 قروش إلى ما يعادل القيمة الحقيقية لها في العام 1927. وقد كانت قيمة الإيجار لعشرين فدان، وهي جنيهان، لا تغطّي تكلفة المواصلات من قرية المالك إلى مكتب بركات لاستلام ذلك المبلغ والعودة إلى قريته. بعد توقّف الملاك من الحضور لاستلام الإيجار تم إغلاق مكتب إيجارات أراضي الملك الحر بمشروع الجزيرة.
غير أن إدارة المشروع واصلت استرداد إيجار أراضي المشروع من الزراع، ومعها تكلفة المياه. وتم تسمية تلك المبالغ المأخوذة من المزارعين "رسوم الأرض والمياه."
10
بدأت الحكومات المتعاقبة في تكوين اللجان لدراسة قضية ملاك الأراضي بمشروع الجزيرة، وتقديم التوصيات لحلّها. وقد تعاقبت وتكاثرت تلك اللجان، وكانت توصية إحداها عام 1991 برفع الإيجار السنوي إلى 25 جنيه للفدان. ثم جاءت توصية لجنة عام 1999 برفع الإيجار السنوي إلى 6,000 جنيه للفدان. وكان ذلك سيعني أن قيمة الإيجار منذ عام 1967 وحتى عام 1999، بمعدّل 6,000 جنيه للعام الواحد للفدان الواحد، للمساحة الكلية للأراضي الملك الحر، يساوي 5,368,464,000 دينار عام 1999.
وتكوّنت بعد أربعة أعوام لجنة الأستاذ عبد الله أحمد مهدي في عام 2003. أوصت اللجنة بنزع أراضي الملك الحر مع التعويض العادل. ووضعت عوامل رأت ضرورة أخذها في الاعتبار عند تحديد التعويض.
في تلك الأثناء كان ملاك الأراضي في مشروع الجزيرة قد بدأوا في تنظيم أنفسهم في "جمعية ملاك أراضي مشروع الجزيرة" وبدأوا في التحدّث والتفاوض والحراك باسم الملاك، ولكن بلا نتيجة.
11
ثم صدر في شهر يوليو عام 2005 قانون مشروع الجزيرة لعام 2005. وتضمّن المشروع مادةً كاملة عن أراضي المشروع يمكن تلخيصها في الآتي:
أولاً: المزارعون أصحاب الملك الحر الذين خُصِّصتْ لهم حواشات بموجب تلك الملكية تُسجل لهم تلك الحواشات ملكية عين بسجلات الأراضي.
ثانياً: الملاك الذين لم تُخصّصْ لهم حواشات عند التفريقة، والملاك الذين لهم فوائض أرض وفق الفقرة أعلاه، تؤول أراضيهم للمشروع مع تعويضهم تعويضاً عادلاً.
ثالثاً: يُملّك بقية المزارعين في المشروع من غير أصحاب الملك الحر الحواشات التي بحوزتهم ملكية منفعة لمدة تسعة وتسعين عاماً.
رابعاً: يلتزم المالك الجديد للحواشة بسداد الفئة التي يحدّدها مجلس إدارة المشروع كمقابل لتسجيل الحواشة ملك عين.
ورغم أن القانون أقرّ حق نزع الأراضي الملك الحر من المالكين الذين قرروا أن لا يقومون بزراعة الحواشات (أو ورثتهم)، وكذلك الفائض الذي يقوم بزراعته غيرُهم، إلا أن القانون فشل في الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية ظلت عالقةً منذ فترة. وهذه الأسئلة هي: ما هو التعويض العادل؟ ومن الذي سيقوم بدفعه؟ وماذا عن متأخرات الإيجار منذ عام 1967 – قيمتها، ومن سيدفعها؟.
رفضت وزارة ال

راشد فضل بابكر

عدد المساهمات : 52
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 12/03/2015
العمر : 65

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مشروع الجزيرة  - الأرض والإنسان .. الإزدهار والإنهيار Empty نشأة مشروع الجزيرة - نادر سرالختم

مُساهمة  راشد فضل بابكر الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 15:37

صباح الخير باشمهندس راشد
هذه مقدمة مختصرة جدا عن مشروع الجزيرة وهي متداولة و معلومة لديك. التقاصيل طبعا طويلة جدا، أضف اليه ما عايشته بنفسي في طفولتي الي جانب الوالد الذي خدم المشروع حين كان في أوج عظمته إلي ان بدأت أيدي الخراب تمتد إليه في نهاية سبعينات القرن الماضي في عهد نميري.
المعلومة الجديدة عليك هي أني عشت بداية طفولتي حتي سن التاسعة في غيط مشروع الجزيرة و درست الأبتدائي في ثلاث مناطق مختلفة بعضها حلال(جمع حلة) العمارة كرم الله، حمدنالله و حلفاية الملوك

نادر سرالختم

فيلم وثائقي قديم من 1953 عن نشأة مشروع الجزيرة.
أظنه معلوم لدي بعضكم ان الوالد سرالختم أحمد محمد صالح رحمه الله رحمة واسعة كان من الجيل الأول لسودنة مشروع الجزيرة التي اكتملت عام 1956 وأصبح مكي عباس أول محافظ للمشروع 1955 ، وفي الستينيات تقلد هذا المنصب العم صالح محمد صالح المك عليه رحمة الله. كان المشروع بمثابة العمود الفقري للأقتصاد السوداني!
https://www.youtube.com/watch?v=kjDJ5XTn3nI
https://www.youtube.com/watch?v=hGG6c9dkWL4
https://www.youtube.com/watch?v=knZr4eIh6KY

مشروع الجزيرة بأختصار

يقع مشروع الجزيرة الزراعي في وسط السودان بين النيلين الأزرق و الأبيض في السهل الطيني الممتد من منطقة سنار إلى جنوب الخرطوم عاصمة السودان. وأنشئ هذا المشروع في عام 1925 لمدّ المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن والذي شكل أيضاً العمود الفقاري لاقتصاد السودان بعد الاستقلال. ويعتبر مشروع الجزيرة أكبر مشروع مروي في أفريقيا وأكبر مزرعة في العالم ذات إدارة واحدة.

النشأة
بدأ مشروع الجزيرة في عام 1911 م كمزرعة تجريبية لزراعة القطن في مساحة قدرها 250 فدان (بمنطقة طيبة وكركوج) شمال مدينة ود مدني تروى بالطلمبات (مضخات المياه). بعد نجاح التجربة بدأت المساحة في الإزدياد عاماً بعد آخر حتى بلغت 22 ألف فدان في عام 1924 م. وفي العام الذي تلاه تم افتتاح خزان سنار وإزدادت المساحة المروية حتى بلغت حوالي المليون فدان في عام 1943 م. والفترة من 1958 وحتى 1962 م تمت إضافة أرض زراعية بمساحة مليون فدان أخرى عرفت باسم إمتداد المناقل، لتصبح المساحة الكلية للمشروع اليوم 2,2 مليون فدان.

مراحل تأسيس المشروع
تأسس المشروع في عدة مراحل:
): المرحلة الأولى إبّان فترة الحكم الثنائي (1925 - 1955 م
كان المشروع في هذه المرحلة يدار من قبل الشركة الزراعية الهندسية، التي ركزت نشاطها الزراعي على زراعة محصول القطن كهدف إستراتيجي. وشهدت هذه المرحلة إزدياد الوعي السياسي لدى المزارعين بالمشروع وبداية مقاومتهم للسياسة الزراعية التي تبنتها الإدارة الاستعمارية مما أدى إلى إضرابهم الأول 1941 م، والثاني عام 1942 م، في وقت كان العالم فيه يعيش آخر أيام الحرب العالمية الثانية. تضامن مزارعوا الجزيرة مع عمال السودان مطالبين بحق تقرير المصير للسودان والاستقلال. وفي عام 1950 م، تم تأميم مشروع الجزيرة و سودنته، وتزامن ذلك مع الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى ع في عامي 1929 و 1930 م، وأثرها على اقتصاديات الدول والبلدان بما فيها السودان ومشروع الجزيرة حيث تدنت إنتاجية القطن فيه وانخفضت بالتالي دخول المزارعين الأمر الذي أدى إلى هجرة أعداد كبيرة منهم من المشروع إلى مناطق أخرى في السودان بحثاً عن الرزق. وبعد إنقشاع الأزمة الاقتصادية العالمية استعاد المشروع عافيته.

): المرحلة الثانية، التوسع الأفقي للمشروع (1955 - 1970
في هذه المرحلة تم تكوين مجلس إدارة مشروع الجزيرة، وأنشأت مصلحة الإنشاءات والتعمير، للإشراف على الأعمال الفنية المتعلقة بامتداد المناقل كما تم تشييد سد الرصيرص. وقد ساهمت شخصيات سودانية في تخطيط مساحات زراعية جديدة بتوسع أفقي شمل (4410,5) قطعة أرض حيازة (28945 مزارعا) وبلغت المساحة الكلية لمشروع الجزيرة والمناقل (2,2 مليون فدان). وبعد التوسع الأفقي اكتمل مشروع الجزيرة وإمتداد المناقل في عام 1958 م، وإمتداد عبد الماجد عام (1963 م) بدورة زراعية ثلاثية تتكون من 15 فدان (5 أفدنة تزرع قطناً و5 تترك للمزارع يزرع فيها ما يشاء من خضروات أو فول سوداني وغيره و5 أفدنة تترك أرض بور- لا تزرع). وأصبح المشروع يعرف بمشروع الجزيرة والمناقل، وفي هذه المرحلة تم أيضاً إنشاء مصلحة الخدمات الاجتماعية.

: المرحلة الثالثة، التوسع الرأسي للمشروع منذ 1970 م
من أهم التطورات التي حدثت في هذه المرحلة هي خطة التوسع والتنوع وبرنامج تعمير المشروع وتحديثه، خاصة بعد الاستمرار في التوسع الأ فقي، في فترة ما بعد الاستعمار بداء التفكير في الزيادة الرأسية بإدخال محاصيل جديدة وتقليل مساحة الأرض البور. وأصبح من الممكن تنفيذ هذه الخطة بعد إبرام اتفاقية مياه النيل مع مصر في عام 1959 م، كانت دواعى تطبيق سياسات التكثيف والتوسع في المشروع هي التخلي عن الاعتماد على زراعة المحصول الواحد لما لها من مخاطر (مثل الأفات والآمراض وتقلبات الأسعار). وشهد موسم (1975- 1976 م) تنفيذ أكبر قدر من التكثيف والتنويع في المحاصيل حيث زادت المساحة المخصصة لكل المحاصيل المزروعة حتى بلغت حوالي (1,794,163) فدان من المساحة الكلية للمشروع وقدرها 2,2 مليون فدان.

أهداف المشروع
زراعة محاصيل الصادر، كالقطن وزهرة الشمس.
تحويل المنطقة من الزراعة التقليدية إلى الحديثة.
رفع المستوى المعيشي والخدمي باستيعاب 15 ألف مزارع، وتوفير السكن والخدمات الصحية والتعليمية لهم.
تحقيق التكامل الزراعي بإدخال الحيوان في الدورة الزراعية،
التوسع في زراعة الخضر والفاكهة للاستهلاك المحلي والتصدير.
استغلال حصة السودان من مياه النيل.

المساحة
قام مشروع الجزيرة على مساحة تقدر بحوالي (000 و200 و2 فدان) تمتد شمالاً من حدود الخرطوم الجنوبية وتوزع ملكية الأرض فيها على النحو التالي:
) الحكومة تملك (000 ,300 ,1 فدان). (حسب قانون 1898
) الملاك الأهالي (000 ,900 فدان). تقدر الأراضي الملك الحر في بحوالي في مشروع الجزيرة (518 ألف فدان) و(382 ألف فدان في إمتداد المناقل

المزارعون
يؤوي المشروع أكثر من ثلاثة ملايين ونصف نسمة يقيمون فيه بشكل مستقر، من المزارعين والعمال الزراعيين الدائمين والموسمين وعمال المؤسسات الخدمية. وتترواح مساحة قطعة الأرض التي يملكها الفرد الواحد من المزارعين ما بين أربعين فدان وخمسة عشر فدان، وتعرف باسم الحواشة (الجمع حواشات )
إتحاد مزارعي المشروع
يقوم اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل بدور حيوي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمزارعين من خلال المساهمة الفاعلة في إدارة المشروع عن طريق المشاركة في مجلس الإدارة للعديد من المؤسسات الاقتصادية التابعة لإتحاد الزرّاع كشركة الأقطان ومصرف المزارع التجاري ومطاحن الغلال.



إدارة المشروع
عندما تقرر تأميم المشروع في العام( 1950) انتقلت إدارة مشروع الجزيرة إلى مجلس إدارة المشروع الجديد برئاسة المحافظ الإنجليزي للمشروع المستر جنيسكل الذي ظل في خدمة المشروع في الفترة من عام (1923 وحتى 1952 م) قبل أن تتم سودنة وظيفة المحافظ. وكان أول محافظ سودانى هو السيد مكي عباس الذي تولى الوظيفة من عام 1955 - 1958 م واستمرت الإدارة الجديدة في سودنة الوظائف عام بعد عام. وبحلول 1956 م، اكتملت سودنة جميع الوظائف.

تتكون إدارة المشروع حالياً من مجلس إدارة يرأسه وزير الزراعة الإتحادي و15 عضو منهم مدير عام المشروع ووكيل وزارة الزراعة الإتحادية وممثل لوزارة المالية ونائب محافظ بنك السودان المركزي وممثل لكل من ولاية الجزيرة وشركة الأقطان السودانية وهيئة البحوث الزراعية إلى جانب ممثل للعمال والموظفين بالمشروع وستة ممثلين آخرين للمزارعين.

يتولى المدير العام إدارة العمل التنفيذي في المشروع بمساعدة أربع هيئات إدارية هي:
الإدارة الزراعية
الإدارة الهندسية
الإدارة المالية
إدارة الشؤون الإدارية

ويتبع لكل هيئة من الهيئآت الأدارية الأربع عددا من الوحدات المتخصصة. وتعتبر الإدارة الزراعية أكبر الإدارت حيث تتولى إدارة العمليات الإنتاجية في المشروع وتنفسم إلى 18 قسم ميداني ولكل قسم لجنة إدارية يتبع لها عدد من وحدات أصغر تعرف بالتفاتيش (المفرد تفتيش) يبلغ عددها الحالي حوالي 113 تفتش. ويضم التفتيش كل تجهيزات ووسائط العمل من مساكن للعاملين ومكاتب ومخازن وورش بالإضافة إلىى محالج القطن (في بلدات مارنجان والحصاحيصا والباقير القريبة من الخرطوم) كما يشمل التفتيش شبكة النقل الداخلي للإنتاج المتمثلة في خطوط السكة الحديدية الخفيفة التابعة للمشروع. وتوجد محطة أبحاث زراعية في مدينة ود مدني مهمتها دراسة تحسين البذور وغيرها من الأبحاث ذات الصلة بإنتاج القطن.

وكان بالمشروع 68 مكتباً لمراقبة الغيط،. ويتكون الهيكل الوظيفي لمكتب المراقبة من موظفين (الباشمفتش، والمفتش الأول، والباشغفير، والغفير الأول، والفراش، والمحاسب، والباشمحاسب).
مقر رئاسة إدارة المشروع في بلدة بركات بولاية الجزيرة والواقعة على خط السكة الحديدية الذي يربط سنار عبر المشروع بالخرطوم


مساهمة المشروع في الاقتصاد السوداني
يساهم المشروع في الوقت الحاضر بنحو 65% من إنتاج البلاد من القطن ونسبة كبيرة من إنتاج القمح والذرة والمحاصيل البستانية، يتيح المشروع فرصاً واسعة للاستثمار في الصناعات الزراعية كصناعة الغزل والنسيج ومطاحن الغلال وصناعة الزيوت وتصنيع الأغذية والجلود. كما يتيح فرصاً واسعة أيضاً لشركات الخدمة التي يمكن أن تنشط في مجالات العمليات الزراعية والتعبئة والتغليف وغير ذلك من الخدمات التي ترتبط بالإنتاج الزراعي.
ويملك المشروع 13 محلج للقطن ومصنعاً تعاونياً للألبان في بركات ويتولى عمليات إنتاج وتسويق وتخزين المحاصيل.
المحاصيل
تتمثل أهم المحاصيل في: القطن، الفول السوداني، الذرة، القمح، والذرة الرفيعة ، الذرة، الخضروات، الأعلاف، زهرة الشمس بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني. وكان المشروع ينتج أيضاً الأرز قبل أن يتوقف عن ذلك لظروف مناخية، أو ربما تم استبعاده - كما يرى البعض - لمنافسته للقطن الذي كان يعتبر المحصول الاقتصادي الأول وقتئذ، وقد تم نقل زراعة الأرز إلى منطقة النيل الأبيض حيث المياه الفائضة التي تغمر مساحات شاسعة (تقدر بحوالي مليون فدان) خلال الفترة التي يتم فيها أغلاق أبواب سد جبل أولياء في الفترة من سبتمبر / تشرين الأول وحتي مارس / آذار من كل عام.

جدول يبين إنتاج الأراضي من المحاصيل في الموسم الزراعي 1992-1993
المحصول مساحة الأرض بالفدان
ذرة رفيعة 550,000
قمح 530,000
فول سوداني 188,000
قطن 152,000
خضروات 50,000
ذرة 5,000



نظام الرّي

يعتمد الإنتاج الزراعي في مشروع الجزيرة بصفة أساسية على الرّي الصناعي وكذلك الأمطار في الفترة ما بين شهرى يوليو / تموز – أكتوبر / تشرين الأول) والتي تساهم في ري بعض المحاصيل الصيفية.

يتم ريّ المشروع عن طريق ما يعرف بالرّي الإنسيابي من سد سنار الذي شُيّد في عام (1925 م). ويتم توزيع المياه بواسطة شبكة من القنوات يبلغ طولها (375,14 كيلومتر) بطاقة تخزينية قدرها 31 مليون متر مكعب، وقد تم تصميم هذا النظام ليعمل بنظام التخزين نهاراً. يتم التحكم في حجم المياه وتوزيعها لمقابلة الاحتياجات المائية لمحاصيل الدورة الزراعية بواسطة عمالاً وأجهزة تشغيل مختلفة موزعة على طول هذه القنوات.
يعتمد الرّي الانسيابي، الذي يتميز بإنخفاض تكاليفه، علي مدى استواء سطح الأرض وانسيابها من الجنوب نحو الشمال، وذلك من خلال شبكة من القنوات طولها 2300 كيلومتر وتتكون من 1500 قناة صغيرة طولها 8000 كيلومتر وقناتين (ترعتين) رئيسيتين بسعة 345 متر مكعب في الثانية وهما قناة الجزيرة وقناة المناقل.. وتعمل هذه القنوات ابتدء من الترعة الرئيسية على نقل المياه من السد (الذي يعرف لدى المزارعين باسم الخزان) الي الترعة الفرعية ومنها إلى جدوال كبيرة يعرف الواحد منها باسم «أبو عشرين » ومن جدوال أبوعشرين الي جدوال أخرى أصغر حجماً تعرف بجداول «أبوستة» ومن أبو ستة الي الجدول الأصغر داخل المساحة المزروعة (الحواشة )
كانت أرض المزارع في السابق مقسمة إلى اربع حواشات، مساحة الواحدة منها تبلغ 5 فدان. ولكن بتغيير الدورة الزراعية الي دورة خماسية أصبحت الحواشات بمساحة اربع افدنة نسبة لتغير التركيبة المحصولية للمزارع.

مشاكل المشروع
نظام تشغيل المشروع نظام غير معقد ويعود إلى عشرينيات القرن الماضي ونسبة لجودة نوعية الموارد الطبيعية من مياه وتربة فإن المشروع قد استمر يعمل بشكل جيد لفترة طويلة. وقد بدأت المشاكل الحقيقية التي واجهته في سبعينيات القرن الماضي وتفاقمت مع مرور الزمن حتى غدت تشكل تهديداً خطيراً لاستمراره بشكله الحالي. ومن أهم المشاكل نقص الموارد والاعتمادات المالية اللازمة لأعمال صيانة و خصخصة المشروع و بيع ممتلكاته واستبدال الآلات والبنيات القديمة خاصة نظام الاتصالات داخل وحدات المشروع الذي يعتبر ضرورياً في إدارة عمليات الريّ وتعذر إزالة الطمي والحشائش وصيانة شبكات المجاري والقنوات وأنظمة النقل والتخزين.

راشد فضل بابكر

عدد المساهمات : 52
نقاط : 110
تاريخ التسجيل : 12/03/2015
العمر : 65

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى