هل التأم الجرح..........

وعدت ود الشيخ الرجوع لذكريات المعتقل
وبالتأكيد هناك الكثير من الطرائف والمفارقات  والدروس والعبر
ح احاول ابدا بالدروس دي
موضوع تعرض معتقلين لتعذيب ممنهج  كانت تجربة غريبة علي المجتمع السوداني
وكان تعرضي لتعذيب لما يقارب الشهر ونصف علامة فارقة في حياتي
من ناحية الصدمة التي ادعي صادقا انني لم اتعافي منها كليا حتي الان
ومن جهة تأثيرها في ما تلي ذلك من خيارات اتخذتها لرسم مستقبل ايامي
ولقد قمت بتسجيل هذه الخواطر في وقت سابق ونشرتها علي الانترنت
وقد صغتها في ذاك الوقت لسبب واخر بصيغة الغايب

وادعي صادقا مرة اخري انها خففت عني الكثير من الغبن
و ازعم الآن إني قد عرفت نفسي
ولكن وحتي الان
هل التأم الجرح.....................

>

(1)
من اكثر الاوقات إيلاما لي كانت في اول ايام خروجنا من كوبر
كنا..... عندما نبدأ الحكي عن ايام بيوت الأشباح كنا نتمنى ان نري في عيون
من نحكي لهم  نظرة  الرفض..... الغضب...... والاستنكار
ولكن....
عندما راينا نظرة الخوف .....
سكتنا فغار الجرح.......
وعندها غصت في داخل نفسي

ووجدت أن الجرح عميق

وبدأت في علاجه

أما القصاص فهو بالعدل و له نعمل

عندها كم سيكون قاسيا عليهم
.....................................................

(2)
مرحبا بكم في خواطر طافت كثير من الاحيان في الخيال
وربما مشاركتكم في المرور عليها يضع بعض البلسم في جرح
والي الخواطر.......

كاد يوم 22 نوفمبر 1989 ان يكون عاديا
نعم كان هو عيد ميلادي الحادي والثلاثين... لكن من يهتم
كمعظم السودانيين لدي عيدا ميلاد في الاول من يناير والثاني والعشرين من نوفمبر
الاغرب ان كل اخوتي الاكبر والصغر لهم شهادة ميلاد اصلية
لكن ماذا عني.....
هل كان ال 22 نوفمبر  1989 هو ميلادي الحقيقي......

بعد رجوعي من وردية الصباح حوالي الساعة 3 ونص عصرا وكل العادة في كل وردية الصباح
بكون اليوم خاص في بيت العزابة، لان سوف اتلم اجتماعيا معهم
نتشارك الغداء الخفيف ومضربين لعشاء مدنكل من اوماك
مر العصر والمغرب وحتي العشاء بدون مفاجآت مع غلاط هنا وهناك عن ناس الانقاذ وفعالهم واتنين دجاجة محمرة مع الفول بالجبنة.
كان جزء من الغلاط تناقل الخرطوم في تلك الأيام روايات عن اعتقال أطباء اقتيدوا معصوبي الأعين لعدة ساعات
في أماكن غير معروفة و تعرضهم للضرب و التعذيب  وكنا ما بين مصدق ومكذب!!!!!!!!
لان الممارسة السياسية في السودان لم تعرف هذا النوع من الممارسات
وحتي الاحاديث بعيد الانتفاضة عن التعذيب لم تعدى التعذيب المعنوي
ومن منا لا يتذكر عنصر الآمن الشهير "حفصة" والبعثيين في العهد المايوي

(3)
عندما سمعت صوت الطرق علي الباب الحديدي بعد الحادية عشرا مساء
تأكد بأنهم يريدوني
لا قانون أو توقع يحكم تصرفات من يطرقون بعد الحادية عشر مساء
انه زمان حظر التجول
لكن .......
لا.......
لربما يريدون صديقه "جمال الدين" النائم قرب المدخل أو ابن خالته في الطرف الأخر من الحوش ...
لقد كانت الخرطوم تعيش أجواء أحكام الطوارئ و الأسبوع الأخير من نوفمبر جو ليس هو بالشتاء أو الصيف
هل يمكن أن يخطؤون العنوان.......

(4)
فتح جمال الدين الباب مسرعا ......
غمغم ملتفتا إلي "الجماعة ديل دايرنك"
لا عليك......
لكنه أحسست و كأن في صوت جمال الدين خيبه
أمرت بركوب العربة اللاندكروزر البيك أب من الخلف......عن طريق اللستك
ليس لعربات الأمن درجات فالوصول دائما قفزا
لم انس قبل القفز للعربة أن اتأكد من بطاقة الضابط "عادل الحاج" و أن احفر صورته في ذاكرتي

(5)
و العربة تنهب بنا شوارع الخرطوم المظلمة بلا حياة
أخذت في ترتيب أفكاري
مرت أحداث الثلاثة أسابيع الأخيرة كشريط أمامي
لقد أحتط لهذه اللحظة
لكن عندما توقفت العربة أمام ذلك المنزل الذي لازالت اذكر
اهتززت للحظة......
هل ما سمعته في الأيام الأخيرة عن التعذيب صحيح
قطعت وساوسي أصوات من الداخل و صوت يأمرني بالنزول
يا الهي
....ماذا هناك..... ماذا يحدث
هرج........ مرج ....... أصوات
تلقفتني أيدي و أخري تتحس جسدي
"عضلات تبش" قالها احدهم
"النقابات......... أصبروا" صوت آخر
لا ادري كيف وصلت إلي باب احد المكاتب
"افتح يا سكر يا عواليق" يصرخ صوت ... عرفت لاحقا أنه يدعي نبيل
من الآن سوف اعتاد أن افرق بين الأشخاص بالأصوات
دفعت الي داخل المكتب
عندما اعتادت عينيي الظلام داخل الغرفة (المكتب)
رأيت ما لم يخطر ببالي أبدا
وسط الغرفة ما بين تربيزة المكتب و الكراسي ناقصة الوسائد
بدا و كأن الوسائد التي أخذت من الكراسي وضعت كفراش
وقف شخص يرتدي عراقي بلدي في جانب أحد الكراسي ناقصة الوسائد
قفل الباب
ابتعد الهرج
أمتد صمت لا ادري إلي متى
انتبهت....
فجلست علي طرف كرسي آخر
قطع الصمت الممتد بينا أصوات تأتي من بعيد
...... طق...طق.....طق
بدا لي كصوت شخص ينفض الغبار عن بطانية
فقد أحسست قبل هنيئة بالبرد يتسرب إلي جسدي
لكن.........
امتد الصوت و استطال حتى بدا لي كصوت من يغلق فتحات نافذة بتسميرها بأخشاب..........
فقد تسربت البرودة إلي جسمي أكثر
و لكن لدهشتي امتزجت تلك الأصوات بأصوات آلام بشرية
هنا دون وعي مني ألتفت إلي من بجواري و قلت "ده شنو"
"ده الضرب..... ده زول بدقو فيهو"
لا ادري هل كان ذلك هو رد من كان بجواري أم كان رجع لصدي صوتي
"إنت دقوك" خرج السؤال من جوفي
عندما جاءني الرد "نعم" تأكدت من أن ذلك لم يكن رجع لصدي صوتي
"بالسوط" خرج الاستنكار كصوت
يا للكارثة و يا للعار فقد أدركت فجأة أن من احادثه شيخ قد تجاوز الستين

(6)
لم يعد للصمت مكان
أما الزمان فقد امتد ما بين المنتهي و التلاشي
عرفت من الشيخ الستيني انه معتقل منذ ما يزيد عن أربعين يوما
و قد مًر بما يخطر و لا يخطر ببال
وقال لي انا عمك صالح اسماعيل سكر ومعتقل لأجل التنازل عن عطاء نقل السكر
و أن يديه في يوما ما قد صافحت و حمت الزعيم الأزهري و ........
و كالعادة وجدنا معارف مشتركين
و عندما عرف انني اعمل بالهيئة القومية للكهرباء
قال لي هسه جابو زميلك هنا وهو البدوقو فيهو ده.
"اسمو منو" خرج صوتي مشفقا
"طويل و نحيل شوية" كان الرد
"اسمو صلاح"
"اظن كده"

ونواصل

.

سوف لن يلتام الجرح الا بالقصاص ...لك التحية والتجلة ايها المناضل الجسور نتابع

سلام  يا اللعوتة..
لك الشكر على مشاركتك لنا قصة تلك المحنة التي تعرضت لها، لم اسمع بهذه التفاصيل من قبل، وطالما أنك تجد في سردها بعض العزاء نرجوك المواصلة. أيضا أقول بأن أقدار الله بعضها أخف من الآخر، فبرغم بشاعة ما تعرضت له، فالحمد لله أنك خرجت بخير وكونت اسرتك الكريمة، فهناك من فارق هذه الفانية تحت نفس الظروف، وهناك من فقد عقله وصوابه، وهناك وهناك......

وأخيراً أقول: يوما سيلتئم الجرح.

شكرا يا باشمهندسة للمؤازرة
لا شك ان القصاص العادل هو الذي يجعل الجرح يلتأم
لو نظرنا لموضوع الصراع السياسي في السودان وكيفية انحداره لهذا المستوي
يبقي القصاص هو الذي يحصن المجتمع من هذا النوع من الممارسة المنحرفة

.

يا سلام يا سيد لو نظرنا للضرر الذي اصاب الكثيرين وقارنته بما اصابني .....
وحقا لوجدت ما اصابني لا يساوي شيئا
بل قد تجد ان هذا الضرر الذي اصابني وبالرغم من الحمولات السالبة به قد استفدت منه جدا
لقد حملت كمية من الحمولات السالبة في بداية الامر ...... ولكن عندما غصت في ذات نفسي عرفت نفسي ......
وايضا اقول سيلتام الجرح بالقصاص العادل


.

نواصل ......


7)
يا الهي...........
مر شريط اليوم أمامي كلمحة
الوردية، بحري الحرارية، خروجي متأخرا أكثر من ساعتين لاستكمال دفتر الوردية
تذكرت رؤيتي لصلاح الدين ابو نايب بعد الظهر ذلك اليوم
هل سيراه هنا؟
اقترب الهرج
أحس بيد اسماعيل سكر تشد علي ذراعه بقوة
تشجعه
لا عليك ..... فنحن لها
قلتها في نفسي
لفني ثبات غريب
ارتفعت الأصوات
اللعوته "الشيوعي"
"دايرين تقلبو الحكومة"
همس الصوت في داخلي
لو احنا بتاعين "قلب" كان جبتوني هنا
"أجتمعتو مع عبدا لعزيز خالد ليه" صوت آخر
هنا شلته المفاجأة
فهو لم يري عبد العزيز خالد في حياته
علي ما يذكر تردد اسم عبد العزيز خالد أيام "مذكرة الجيش"
يسأل عن اجتماع لا يدري عن و جوده ولا يسأل عن اجتماعات حضرها
هل هو جهل أم تجهيل
أم رسالة واضحة
يا للهول
(
انقلاب ..... خيانة ...... إعدام
.............................
"سكر" صوت بلهجة آمره
"اربط عيونو خلينا نرميه في البير
أحس ارتجاف يدي الشيخ وهو يربط عينيه
عندما فتح الباب و جذب إلي الخارج رأي بعض الوجوه
فالشيخ لم يحسن الربط
قاصدا ربما....
شفقة.... ربما... أو عن عمد
هل ترتجف ايدي من صافح الازهري
و الأيدي تحيط به، تدفعه إلي البير وسط بذاءة،.... صياح و تهريج
خطوت بثبات إلي البير
لامست أرجلي أرضية الحديقة
في تلك اللحظة فاجأني شيآن
ثباتي
وعدم مقاومتي
هل شلت المفاجأة تفكيري و ردود أفعالي
هل استقر في أعماق عقلي الباطن أنه لهزيمة الرجرجة يجب الصمود
لا وقت للتفكير

"لا.. لا ده اعملوا ليه حفلة" صوت الذي كان يردد البذاءات
و بدأت حفلة....
ليس لها علاقة بغناء مصطفي سيد أحمد أو نفض الغبار عن بطانية أو تسمير شباك

يااللعوتة في البال الكثير لكي نعقب به ننتظر اكتمال ولو جزء من هذا التاريخ كل التاريخ الإنساني كان نتاج التجربة الشخصية لذا فعندما تكتب فإنك تفتح رافدا قد يصير بمؤازرة الآخرين نهرا نيلا وربما بحرا لايرى ساحله

اللعوتة وينك ووين قلمك؟
هل جف المداد؟